ذكرى الحزن والحنـــين .. / محمد يحي ولد عبد الجليل | أغشوركيت

ذكرى الحزن والحنـــين .. / محمد يحي ولد عبد الجليل

اثنين, 26/12/2016 - 21:10
الشيخ المصطفى ولد الشيخ القاضي ـ رحمه الله ـ

يدور الزمن وتحل ذكرى الحزن، ذكرى الحنين، ذكرى الوجع، ذكرى الألم، ذكرى الصبر والرضى بفعل المحبوب : الذكرى الخامسة لرحيل فريد عصره ونجم زمانه، وجُـنَـيديُّ دهره، ومالكـيُّ عصره، وحاتـميُّ زمانه، وادهَـمِيُّ دهره...

حل به الأجل المحتوم مساء السبت (الموافق 2011/12/17). نهض من مجلسه المسائي الاعتيادي المعمور ذكرا وقرآنا وحديثا وفقها وسيرة وحياة سلَف وتاريخا وتفصيل أنساب.. نهض يتمشى قبيل صلاة المغرب يودع شمس نهار السبت - بل يودّع الكون كله على الأصح - وما أن ﻻح الغروب حتى جلس يتوضأ لصلاة المغرب وكأنه يتأهب لصعود روحه الطاهرة للقاء الحي الدائم الباقي الذي لايموت،

 لم يبرح مكان وضوئه إراديا، بل محمولا على أكف أسرته وذويه، وكأنه اختار أن يودّع دنياه بقطرات الوُضوء وأذكار وأدعية المساء..! ما ذا أقول عن عمرك الزاهر الزاخر بالطاعات والعبادات ؟؟

ما ذا أقول وسجادتك في الصف الأول تبكيك، تنعيك، تتأوه حرقة وشوقا وحنينا؛ ما ذا أقول وإِلويـشُـك ينثر دموع الحزن والحسرة وحرقة مفارقة خليله ورفيقه ؛ ما ذا أقول وهو أجر الحر والأرض الرمضاء تبكي خليلها وصديقها الحميم الذي اعتادت أن تستنشق عبير رذاذ وبرودة قدميه وهما تتقاطران من فضلات الوضوء جيئة وذهابا من وإلى المسجد ؛

ما ذا أقول وتلك الليالي االمظلمة الحالكة تنعيك منذ خمس سنين وقد فارقت من كان يعمُرها بالتلاوة والصلاة حتى ينبلج ضياء الصبح ؛ ما ذا أقول وسبحـتك التي اعتادت تطريزها في كل ثوان بآلاف الأذكار والأوراد تحنّ إليك منذ خمس سنين حنين الرضيع لأمه، حنين الأرض اقاحلة الجرداء لمطر السماء ؛ ما ذا أقول، وكيف لي القدرة على وصف حال الثكالى والأرامل والأيتام والضعاف والمدفوعين بالباب الذين اعتادوا أُعطياتك وهباتك السخية في دجى الليل الحالك دون أن تعلم يسراك ما ذا أنفقت عليهم يمينك ؛

ما ذا أقول، وكيف لي القدرة على وصف حنين وشوق أولئك المكلومين الذي اعتادوا اللجوء إليك كلما حل بهم ضيق أوألم أو مرض مخيف، فتفتح لهم ذراعيك وتحتضنهم وتؤويهم وترقيهم بآي الذكر الحكيم، وتدعو لهم المجيب دعوة المضطرّ بقلب مخلص مخبت وبفاهٍ لم يعصه، وتبلسم جراحهم بفكاهاتك ودعاباتك؛ فينزاح الألم ويحل محله الشفاء والسعادة والطمأنينة - بإذن الله-

ما ذا أقول وفي كل " ذكرى الحزن والحنين " أحاول ان أكون شجاعاً مِقداماً لكي اتجاسر على الكتابة عن احَـدِ جوانب حياة شيخي : علمه، او ورعه، او تصوفه، او خصال كرمه وخلقه وتواضعه، او ذاكرته الجمعوية للأنساب والتاريخ، او معاملته لكل زائر هبَّ ودبّ اليه، او اهتمامه بالمسلمين وبذل حياته في منافعهم.. ففي الحديث عن خصال شيخي ينفد اليراع والقراطيس، وتصاب الأيادي والألسن بالأرق ..لذلك لن أطيل فيما ليس للحديث حوله نهاية.. وأَضع نقطة الإقرار بالعجز نهاية

عزاؤنا فيك أنك صعدت إلى من تختاره عنا،إلى من هو أرأف وأرحم بك منا، إلى من يجزي المتقين المحسنين الجزاء الأوفى. وفي خلَفكم خير عزاء، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه جل شأنه القائل وهو أصدق القائلين : "إنَّك ميّت وإنهم ميتون"