الأمير اهميمد : ميلاد فجر عدالة قدولى !! / محمد المصطفى الولي | أغشوركيت

الأمير اهميمد : ميلاد فجر عدالة قدولى !! / محمد المصطفى الولي

أحد, 04/03/2018 - 20:47
الكاتب الصحفي : محمد المصطفى الولي

أغشوركيت ( كتاب الولاية ) :  في مثل هذه الأيام أي في السادس والعشرين من شهر فبراير من العام 2016 طلعت شمس المنتبذ القصي وقد بدت سماء كونه ملبدة بالغيوم والعواصف الخبرية القادمة من خلف التلال ترمي برسائل حداد تقرأ فاتحته خيوط رسمت على لوحتها عيون جفت منابعها جدبا من البكاء .. إنه الحب والإيمان والألم والجروح .... القدر واقع والحياة رحلة كتبت في الأزل بدايتها لنصبح أمواتا تحيى عظامها لاحقا وهي رميم .

 

أبدا لا نلوم الزمان على الضياع ولكن نعلم أنما عندالله خير وأبقى ، شعور لابد له من الدموع وإن تذرعت محاجره البشارة واقعية المؤمن لدى فجع المصيبة ومنازلة الصبر عند لحظة العبور إلى مدرجات يقتسمها الراحل معنا في تقاطع نتأهب لداره الحيوان كل تلاوة :  ( إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الله تبارك وتعالى :  إنالله وإنا إليه راجعون ، وإنا على فراقك يهميمد لمحزونون ) .

 

إنها العدالة ترسوا سفينتها في عالم الحياة الموحش ، بعد أن سلكت درب الخلود  في قلوب شهداء الله في أرضه ، ففي العام 1951 بويع الأمير اهميمد ولد ببكر خليفة لوالده سيدأحمد ولد ببكر رحمهم الله على السمع والطاعة من قبل مجتمعه ( أولاد أحمد ) وكل بركني تمددت به رمال " لعكل " في تخوم " أگان " شمالا واتسعت به جزيرة " شمامه " جنوبا ، قد رمته المقادير إلى الترعرع في كنف الأمن والإستقرار ليس في لبراكنة وحدها ، بل في تكانت واترارزة ولعصابة .... في دائرة الأمير تجد الكل ضاحكا مستبشرا يمرح في رياض " اشواگير " ويسرح في مغاني " انيرگل " و " علب أولاد أحمد " وغيرها من دمن سكنتها قلوب الذين خلدوا إلى طمأنينة الأمير بغية رد ما في أساطيل المنطقة من بطش قاطع طريق وممتهن صعلكة عطى رزايا حرب تتجلى صرائرها طافحة لكرب ضعيف لاحول له ولاقوة ، كلما اشتدت نزال الصائل على بعد من حرم الأمير الآمن :

 

ملاذ الناس إن عظم الدواهي *  وغيث إن تتابعت المحال ..

 

 بسط اهميمد رحمه الله العدل إحلالا للسكينة في ربوع لبراكنة متخذا من العدل والعدالة و( العافية ) عنوان إمارته لايخاف في الله لومة لائم ، تخر الجبابرة والطغاة ل " آسفل عافيته " ساجدة خوفا من العقوبة ، حتى صارت " عافية " اهميمد مضرب مثل تتناقله الأجيال كنموذج عمري يحتذى !

 

عافيتك فيه كل حد * عافيتك ذ كافيتك

 

يهميمد شفن كل حد * عافيت من عافيتك

 

في تعداد هذه الفضيلة " العدالة " أحجم الحرف في جولاته الفصحى ، والكلمة في صولاتها الشعبية عن تصيد مكامن الدلالة والإستقصاء ، رتعت في الكهف " الإهميمدي " أقلام لها الشعر جبلة والأدب الشعبي " لغن " سجية ، لأربابها اللغة " المدحية " والرثائية رهن تدخره المخيلة الشعرية  لانتظار يوم لا ابتسامة فيه . إنه ميلاد فجر عدالة قد ولى ! منذ شرعت الأنام في التوديع .

 

 

الأمير والشريف :

 

رضيعي لبان ثدي أم تحالفا * بأسحم داج عوض لانتفرق

 

حدث العالم الشريف الوالد : محمدٌو ولد سيد محمد اشمدة ( بدي ) قال : " لقد صحبت الأمير في عز عطائه يوم أتته الخلافة والمناصب منقادة تجر أذيالها كأنها لم تكن تصلح إلا له ولم يكن يصلح إلا لها ، عرفت فيه شهامة الأمير وعدالة بن الخطاب وزهد سفيان الثوري وكرم حاتم الطائي .....  فقد كان رحمه الله صديقا يؤلف ويالف ، كنت أعتبره دائما ذالك النموذج الرباني العملي الذي حدد معالمه القرآن الكريم ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )  ... يذكرني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم  ( الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف .....) .

 

فكلها خصال جمعها اهميمد رحمه الله تعالى تترجم لنا نهج سلفنا الصالح فيما يتمتع به من مخزون القيم والفضائل التي عز نظيرها ، لاتراه إلا ولسانه رطبا من ذكر الله تعالى ، يحب أهل الفضل ومجالستهم والسعي في مصالح المسلمين ، أذكر أني جئته ذات مرة في قضية صلح عويصة فكان رحمه الله متواضعا لين الجانب طلق المحيا باسم الوجه تعلوه هيبة الأمير وسكينة سمته الدائم ، وضاءة دله يعرفها العدو قبل الصديق ، رحب بي كعادته — وأنا رفيق دربه — في الحياة الذي لايبغي به بدلا ولايرضى سواه في البشر .

 

قال لي بكل رحابة صدر ومروءته المعتادة ( مرحب حيدرة غايتكم متعدلة ) ويستطرد الشريف وقد غلبته الدموع قائلا :

 

نأى ءاخر الأيام عنك حبيب * فللعين سح دائم وغروب

 

دعته نوى لايرتجى أوبة لها * فقلبك مسلوب وأنت كئيب

 

يئوب إلى أوطانه كل غائب *  واهميمد في الغياب ليس يئوب

 

تبدل دارا غير داري وجيرة * سواي وأحداث الزمان تنوب

 

أقام بها مستوطنا غير أنه * على طول أيام المقام غريب

 

كأن لم يكن كالغصن في ميعة الضحى * سقاه الندى فاهتز وهو رطيب

 

كأن لم يكن كالدر يلمع نوره * بأصدافه لما تشنه ثقوب ....

 

عرفت في الراحل هذا وأكثر مما يضيق عنه الصك ولايفي بحصره الفك ، فاهميمد لم يكن دبلوماسيا تقليديا فحسب ، بل كان قائدا له حنكته الإدارية وكفاءته العالية ، لذالك كان أول عمدة لبدية شكار وأول شيخ عن مقاطعة ألاك ، فهو رجل دولة وأحد بناة الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذين عملوا على إرساء معالم دولة أسسها العدل والمواطنة والقانون ، حيث عمل رفقة أعيان من مختلف القيادات التقليدية ( القبائل ) على تصحيح مسار الكتلة البرلمانية من نواب ألاك ، وذالك بتقديم ملتمس يطالبون فيه بإقالة نواب لاتجتمع عليهم كلمة مواطني لبراكنة يومها ، فكان المرحوم اهميمد تغمده الله برحمته أول موقع على الملتمس المقدم إلى الرئيس المختار ولد داداه في زيارته لولاية لبراكنة 1959 ، ومن بين الموقعين أيضا الولي الصالح والقطب الرباني : الشيخ أحمد أبي المعالي والأمير لبات ولد احميادة وغيرهم من شيوخ لبراكنة التقليديين ونوابها المنتخبين الذين تجمعهم بالأمير علاقة احترام ومودة تتسع دائرتها بحكم الروابط التاريخية والإمتداد الجغرافي المشترك " .

 

 اليوم تحز في النفوس ذكرى رحيل الأمير اهميمد وقد أفلت المكارم في أوج عزائها وتبددت المعالي في كامل حزنها ، تجري دموع الشاق لبلدية شگار اليوم من تحت جسر الألم المخيم على أروقة الوطن والمرتفع على ملحمة التاريخ الخالد .

 

 يتمت لمرو ماه رد * والعدالة والمارة

 

موت اهميمد الامير حد * يعرف معنى الامارة ..

 

عليك سلام الله ماقام بيننا * خطيب على دست العلا يتربع ..

 

لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بحساب وأجل مسمى ، اللهم أبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار .

اللـهـم جازه عن الإحسان إحسانا وعن الإساءة عفواً وغفراناً واّنسه في وحدته وفي وحشته وفي غربته ، اللـهـم أنزله منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين .واجعل قبره روضة من رياض الجنة .

اللهم أفسح له في قبره ومد بصره و افرش قبره من فراش الجنة . واملأ قبره بالرضى والنور والفسحة والسرور ، واجعله مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .