جلسة مع الشيخ ولد مكي | أغشوركيت

جلسة مع الشيخ ولد مكي

سبت, 03/03/2018 - 01:44

أغشوركيت ( كتاب البلدية ) : في سنة 1990 بعد صلاة المغرب ولما تسحب الشمس بعد بقايا ذيولها ..وما زال في الافق نور اصفر هو حطام لحظات احتضار نهار (تيفسكي) لا اقول جميل لان مساءات الاك عادة تكون مغبرة نظرا لمحيطه الطبيعي الذي تغلب فيه السهول الزراعية والغابات وهضاب متلفعة ابدا بالضباب... والابقار القادمة من ضواحي البحيرة تثير النقع موعدها المنصة الرسمية التي تنام منذ عقود في احضان الخوبة مقر المكاتب الادارية والممهدة بالرمل الابيض تحسبا لزيارات الرؤساء لكن ابقار الاك تفترشها ليلا توقيا للحجارة الحادة ونشدانا للراحة والفضاء الرحب ...ثم ربما احتجاجا على قرار اداري قديم يمنع البقر من دخول المدينة....!!
زرت و احد الاخوة الاديب الشيخ ولد مكي (اسمحوا لي ان لم اكتب الكبير فقد اصبحت كلمة منتهية الصلاحية)... سلمنا على الشيخ وقد متعه الله بحسن وقار بعد حسن شبيبة وكان على "دمرة" هي منصة السمار الذين ينعم عليهم تارة وحسب ظروفه بمجالس ادبية وتاريخية فيها النكتة "الايكيدية" وفيها من المتاع شيء غير يسير.....ليست تلك المرة الاولى التي ارى فيها الشيخ ... لكنها الاولى التي ازوره فيها وفي نفسي حاج كثير للحديث اليه بل للاستماع اليه والاجتماع به...لم اصدق اول الامر وانا القزم النكرة انني امام عملاق...وامام ظاهرة رضعت الحكايا الاسطورية حولها مع لبن امي...كيف تتحول الصورة التي نسويها عادة للعظماء الذين نبني لهم عمارات وهمية من الخيال والجمال المطلق كيف تتحول الى جسم بشري طبيعي ...(تذكرت وانا امام الشيخ ما رواه نزار قباني من ارتباك الممرضات حين رأينه ممدا على فراش المرض قال : كنت ممددا على سرير في غرفة الطوارئ والممرضات مرتبكات ..وجرى بينهن الحوار التالي"
- هل له شرايين
- ولماذا لا يكون له شرايين
- لأنه شاعر
- وهل تعتقدين ان الشاعر مفصل بطريقة اخرى وان جسده لايخضع لعلم البيولوجيا
- انا متاكدة بان ليس له شرايين فالشاعر حالة وليس ارنب تشريح..)
كان الرجل هادئا يستخبرنا بالصمت كي نعيد الحديث وندرك عندئذ انه لم يتمكن من سماعه بصورة جيدة...وكان حاضر الذاكرة وكنا فضوليين يزيل عنا بابتسامته وتعاليقه كل حرج يعترض البوح وحرية الحديث اعطانا تاشرة دخول الى المناطق الخاصة من حياته ....بل كان يكمل لنا العبارة حين نبدأها ثم ندرك اننا بحاجة الى عبارة اكثر ملاءمة للمجلس وللرجل وسنه ومكانته....كان يقول الناس "عصران" : فالعقلاء (عصر) أي اصحاب وغيرهم (عصر ) ويضحك متمما انا صاحبكم فروا من أي الفريقين انا....
حدثنا عن بدايته مع (لغن) ..قال لنا ان استاذه الاول هو الب ولد امين وهو اديب غني عن حديثنا هنا....وكان اول ما استحسنه من (اغناه) قوله:

يعكـــــــل ذاك احداد *** لتيد أذوك امهــــــــاد

لتيدأذوك اغــــــــراد *** يلعكـــــــل اغدكـــل

اذاك العلــــب ال زاد *** اعل فــــــم مــن تل

مات منهـــــــم منزاد *** حد اليوم ابمــــنزل

الات علب امحـــــمد *** من لمنازل ينعــــد

اكل لمنـــــــازل عند *** النطفــــــي مــن تل

من ذاك الموكر بعد *** والمنزل عــــــند كل

اكل العنـــــد من حد *** كان اعود امـــعدل

وكتن فــات ال فات *** هــــذ يالعكـــل ادل

ان الدني فـــــــوات *** وان الدهـر اتبـــدل

تفاجئك في الكاف هذه الحكمة والاستنتاج من شاب يافع لم يخبر بعد صروف الدهر...
وليس ذلك غريبا فكثيرا ما يسبق الاديب زمانه فهذا الشاعر ولد محمدي في رائيته المشهورة في هذا البيت ظهركانه شيخ يدرج نحو الثمانين منكرا على سنه ما لا يليق الا في فترة الشباب والفتوة يقول في هذا البيت:

فما انت واستقبالك اللهو والصبا *** وقد ادبرت عشرون من بعدها عشر

وقال لنا ان شيخ محظرة الكحلاء ءانذاك كافأه وسأل الب عن مستقبله في (لغن) فاجابه الب انه سيكون باهرا....
ومما اذكر والحديث شجون انه قال لنا انه مكث في (الكبله) خمس عشرة سنة وانه عاد منها سنة 1945 لدواع قبلية.....
في الكبلة تفتقت عبقريته وصلب عوده والتقى كبار الادباء والفنانين والعلماء خصوصا في اندر الذي كان يومها قبلة اصحاب الفنون المختلفة وءامي ول ابن المقداد.....
لكنه لم يذهب ابدا الا بعد ان اتقن فن (لغن) خلافا لما ينشره البعض من انه تعلمه تارة على محمد ولد هدار بعد ان استخار الاخير..وطورا على سيدي ولد هدار الذي ارشده الى حفظ النصوص الشعرية بل كان يكتبها له الى غير ذلك....
وفي رد له على سؤال طرحه عليه احد الباحثين عن اسباب ذهابه الى (الكبله) قال الشيخ ولد مكي : ذهبت الى الكبله لسببين الاول ان استاذي الاول وابن عمي الب ول امين ولد في التاكلالت وامه من اولاد سيد الفالي والثاني انني التقيت في الكحلاء بفتية من اولاد ديمان ومدلش وتندغ واداب لحسن فأعجبتني طباعهم فصحبتهم الى الارض التي اكتسبوا منها تلك الطباع.....
وقال في سياق حديث ءاخر انه تاثر بمدرسة اهل هدار واهل محمد ءاسكر واهل الميداح....
ليس هذا مقام كتابة حديث الشيخ والذي منه قصة همام والطائرة وبوتلميت.....وكثيرآخر جميل وممتع لا يسعه حديث على هذه الصفحة...
لكنه توضيح لبعض الباحثين حول قضية تعلم الشيخ (للغن) فمن المجازفة بل من الانتحار المعنوي ان يرحل ولد مكي الى عاصمة الفن صفر الوفاض ليسير على ارض وعرة التضاريس بقدمين حافيتين...
وليس عيبا ابدا ان يتعلم الانسان ما لم يعلم في أي مكان ..لكن من المجانف للحقيقة ان يذكر ما ذكر عن رجل عرف بالحيطة والتحفظ ورفض الدونية....
ومن الانصاف ايضا ان نقول ان (الكبلة) هي الوطن الكبير لابداع الشيخ ...فاليها يعود الفضل في شحذ ملكته وتوقد عبقريته وصعوده الفني مزاحما بل متجاوزا احيانا كثيرا من عمالقة الادب والفن....وفيها لمع نجمه وسال ءاذي ادبه وذاع صيته....واعترف الاديب بذلك الفضل دائما وظهرا جليا في ان نسبة كبيرة من موضوعات ادبه سواء كانت اماكن او اشخاصا كانت تتعلق بالكبله...وبقيت وطنا يحن اليه حتى وهو بين قومه وذويه....
وليس الشيخ اول كبير ييمم ارض الكبلة ويحتل فيها المواقع العليا ويعترف اهل تلك الارض بمكانته ، فالنابغة الغلاوي بعد ان حصل ما حصل من المعارف قرر ان ان يزور كل مركز علمي ليستزيد منه لكن له شرطا قاسيا هو ان يقول للشيخ : انا جئت لأتعلم فان ساله الشيخ عن اي فن ودعه وذهب الى غيره حتى جاء احمد بن محمد العاقل فقال له كما كان يقول للشيوخ من قبله فقال له احمد (مش) اي تفضل ولم يساله عما يريد تعلمه لان احمد كان (لا يرد لوحا)...والامثلة كثيرة منها الشيخ سعد بوه الخ...
ظل الشيخ اذا وفيا لتلك البلاد يجد في من اقتضت ظروف عملهم الاقامة في الاك ريح يوسفه ويجدون فيه فردوسهم المفقود ...
عمل ببه ولد التاه في الاك مفتشا والتقاه الشيخ ومعه اخوه حمدن فتحركت فيه عاطفة الشوق والحب (للكبله) فقال:

نشهد واسوبــــــسم مل **** عن وخـــــيرت ابب والله

ول التـــــــــاه أوالله ال *** وخيرت ابحمدن ول التاه

وكانت صفية بنت محمد سالم/ امخيطرات حرم ببه حاضرة فانتبه الشيخ الى انه لم يعطها نصيبا من (كافه) فسجد بعديا مترتبا عن قبلي بهذا الكاف:

كط اشهدت اعل اولاد التاه *** بوخيرت اشهــــاد حي

واحلفت افكاف ءان مــلاه *** اعليه وابكــــات اعلي

وخيرت ابصفـــــي والله *** ال وخيرت ابصفـــــــي

ومن اغن الحنين الى الكبله قوله:

يلال مبعـــد عاد بــــــور *** والليــــــات ادكـــــان

من عظم النـــــور ابيبور *** واكديات ارض ابـان

ومن طريف اغناه:
لكنت ال مان كهــــــــــل *** الا نرفد ظرب الصبابه

انتم الا منعـــــــــــد اهل *** حـــــــــبابه لاهل حبابه

وقوله:
الا لكان الكــــــــــــط حد *** حمر من حد اعــــــيال
راص حب ذا الصيد بعد *** اعيال ما تبـــــــــــكـال

من طريف قصص الشيخ قصته مع محمد ول اشويخ لما سمع محمد قول الشيخ ولد مكي لتكيبر بنت اعمر امبارك – وهي زوج محمد ولد اشويخ -:

باكيلك ماه مـــــن المين *** الهول البيت الحك زين

واشوار لك مخلييــــــن *** ذاك بل اتنهــــــــــويلك

واخبيط التيدنيت بيـــن *** هلل حك املـــــــــي لك

باكيلك واخبيط ءاردين *** يتكيـــــــــــــــبر باكيلك

واترش واكل اشوين رد *** امن الناس أززتي الحد

فالترش واتمحلي الوعد *** من كلت ش زاهـــــيلك

غاد ش فـــيك الكل حد *** وانتي مـــــــــــا غاديلك

لما سمع محمد هذا(لغن) غار واقسم –كما تقول الرواية-انه سيقتل الشيخ ولد مكي...
ومرت الايام وكان محمد في رحلة معه تكيبر ونزلا في حي وشاء الله ان يكون المنزل الذي نزلا فيه محل اقامة الشيخ...يعيش فيه الشيخ مكرما مبجلا...كانه بيته وما ذلك الا من فضل اهل ذلك المنزل..فتولى الشيخ قرى محمد وتكيبر واقام لهما ضيافة عظيمة بهرتهما....ولما ازمعا الرحيل في المساء ذهب معهما مسافة للوداع فلما رجع قالت تكيبر لمحمد : (انت احنثت ماتكتل الشيخ؟) فاجابها (الهيه عني مكصور لعمر اغلى هو كاع اعل الرجاله من لعليات).

الشاعر المرتضي محمد اشفاغ