في الرابع عشر من الشهر الجاري حكمت الغرفة الجزائية بمحكمة ولاية نواكشوط الغربية بالحبس ثلاث سنوات نافذة على الناشط الشيخ باي ولد الشيخ محمد بتهمة الاعتداء على موظف عمومي أثناء تأديته لمهامه،وهو حكمٌ أثار استياء الغالبية العظمى من المتابعين من جهة وكشَف سوءات نظامنا القضائي وغياب العدالة من جهة أخرى.
بعد حادثة رمي الناشط الشيخ باي الحذاء في وجه الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة كثر اللغط والجدل بين مؤيد ومعارض،بين من يرى الفعل مجرد تعبير رمزي وحضاري لا إجرام فيه وبين من يعتبره سوء أدب واعتداء سافرا على "هيبة الدولة".
لست هنا بصدد استرجاع صدى ذلك الجدل المزمن بقدر ما أود وفي عجالة التوقف عند نقطتين أراهما من الأهمية بمكان:
ــ النقطة الأولى وتتعلق أساسا بتركيز البعض- وأقول البعض- على المسألة الأخلاقية في حادثة الرمي وتضخيمها والنظر إليها من زاوية أُحادية عن عمد وسبق إصرار،والتغاضي كلِّيا عن الجانب أو الجوانب الأخلاقية الأخرى للمسألة المتمثلة في تصريحات وزير النطق وتلاعبه بعقول مواطنيه،والتي عبَّر الشاب الشيخ باي عن رفضه لها بأسلوب الاحتجاج المثير للجدل،لذلك سمعنا ورأينا بعض "الأخلاقيين" يُكثر الحديث عن الأخلاق الحميدة والقيم المثلى والسلوك السويِّ..إلخ،وتم الطعن في أخلاق الشاب وتربيته بل لم يسلم محيطه الاجتماعي من الهمز واللمز من طرف "أخْلاقيِّي البلاط"!
عزيزي الشيخ باي ليتهم سألوا عنك كل من عرفك في العمل في المهنة في الميادين وكل من عرفك عن قرب،ليتهم سألوا...إذ دواء العيّ السؤال.
.......لنفترض جدلا أيها "الأخلاقيون" أن رمي حذاء أي حذاء في وجه وزير أي وزير ليس من الأخلاق في شيء،فهل الكذب على الهواء والاستخفاف بعقول المواطنين مثلا من محاسن الأمور ومكارم الأخلاق؟هل القول بأن الجيش ينفق قرابة ال50 مليون في كل ثلاثة أيام من الصدق ومكارم الأخلاق؟هل القول بأن حوار المعارضة والنظام الذي لمّا يبدأ بعد قد انطلق قبل عشرة أيام من الصدق ومكارم الأخلاق؟هل القول بأن الفقراء لا يتأثرون من ارتفاع أسعار المحروقات لأنهم لا يملكون سيّارات من الصدق ومكارم الأخلاق؟!إن كانت فِعلة الناشط الشيخ باي غير أخلاقية وغير مسؤولة فتصريحات وزير النطق وخرجاته الإعلامية و"حِكمُه العَطائية" بعيدة من الأخلاق ومكارمها بُعد الثَّرى من الثُّريّا.
ولعله من الطريف أن الوزير الناطق وفي مجالس المقربين منه يبدي إعجابه الشديد واللامتناهي بسلفه في الوزارة رئيس الحزب الحاكم الحالي الأستاذ سيد محمد ولد محم!ليت الخلف كان كالسلف ذكاءً وحِجاجاً وحسن مُراوغة.
ـ النقطة الثانية وتتعلق بازدواجية المعايير لدى منظومتنا القضائية التي تتكشف من حين لآخر،فقبل سنتين من الآن أطلق مواطن اسمه بدر ولد محمد ولد عبد العزيز الرصاص الحي على فتاة تسبب في إصابتها بشلل لم تتعافى منه حتى الآن،لم نسمع عن إيداع المواطن بَدر السجن ولا بحُكم قضائي واحد في حق الجاني،فقط تم توقيف المتهم لبضع ساعات في مفوّضية الشرطة معزّزا مكرَّما وامتلأت باحات المفوّضية حينها قنيناتِ مياهٍ وعصائرَ وألبان كما يقول صديقي الموقوف في نفس المفوضية تلك الأيام بسبب التظاهر!،المواطن بدر أطلق الرصاص الحي وأصاب،الشيخ باي رمى حذاءً ولم يُصب،الأول تم توقيفه بضع ساعات وتم إطلاق سراحه،الثاني تم تعذيبه نفسيًّا وحُكم عليه بالحبس 3 سنوات نافذة!أين القضاء وأين العدالة؟أم أن ابن الرئيس وأبناء الجنرالات فوق القانون والشيخ باي وغيره من "امْكاطيع انْعايلْ" تحته؟!الجواب معروف ومعلوم.
عزيزي الشيخ باي لأن أباك ليس جنرالا سيظلموك..لأن أباك ليس شيخ قبيلة نافذ سيظلموك..لأن أمك ليست هي السيدة الأولى بتعبيرهم الساقط سيظلموك..لأنك لا تملك سعر ما "يدهنون به لحاهم" سيظلموك..ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أنشد مع شاعر قديم قوله:
قضاة زماننا أضحوا لصوصا..عموما في البريَّة لاخصوصا
أباحوا أكل أموال اليتامى....... كأنهم رأوا في ذا نصوصا
ولو أمروا بقسمة ألف ثوب...لما أعطوا لعُريان قميـــصا
ولو عند التحيّة صافحونا ......لسلُّوا من أصابعنا الفُصوصا.