لاشك ان والديه كانا يدعوان له بالخير،ولد اواخر العشرينيات من القرن الماضي حفظ القران في سن مبكرة ليعيش بعدها في الهامش بعيدا عن الذكر والتقدير.
يفضل المعني الجلوس وحده وينبذ كثرة الحديث مهما كان قبليا او أسريا فجليسه دلئما احياء علوم الدين.
للحديث عن هذا الرجل ينبغي ان نتحدث عن محورين اساسين:
1 – ورعه:
فقد كان يفضل الابتعاد عن الناس مخافة الوقوع في سقط الحديث ..لا تفوته تكبرة الاحرام الا نادرا..
يعتبر حفظ القران من الامور التي يجب سترها واعتبارها منة من الله سبحانه وتعالى يجب شكرها بالتلاوة آناء الليل واطراف النهار..
يتجافى جنبه عن مضجعه في الثلث الاخير من الليل ليقرا القرآن مرتلا براوية قالون عن نافع ويستمر كذلك مع تلامذته حتى ال11 ضحى عندما يبدا التلاميذ مرحلة (اشكارت الالواح) تراه بين الفينة والاخرى تسقط جبهته على اللوح لكنه يصارع حتى يكمل التلاميذ دروسهم..
وما احسن النصائح التي يقدمها لتلاميذه في هذا الوقت عندما يلاحظ على احدهم خطا في لوحه..
اشرف بنفسه على اكمال مسجد السنة في اغشوركيت ورتب اماما له الا انه كثيرا ما كان يقول انه لا يريد من هذه الامامة الا انتظاره بالصلاة حتى لا تفوته تكبرة الاحرام..
2 - مصلح اجتماعي:
اما في جانبه الاصلاحي فقد اهتم بكل ما يخدم المصلحة العامة...لما وقعت ازمة حادة في مادة الفحم وارتفع سعره سافر الى شمام لياتي بكميات كبيرة من هذه المادة بيعت بارخص الاثمان ونزلت الى سعرها الطبيعي..
وعندما تمالا الجزارون على رفع سعر اللحوم اشترى قطيعا من البقر وبدا بتوفير المادة بسعر رخيص حتى ارغم الجزارين على العودة الى سعر فيه رفق بالناس فتخلص من القطيع وباعه لاحد الجزارين قائلا انا هدفي الرفق بالمسلمين وليس الربح..
وعندما ارتفع سعر الخبز بنى مخبزة خاصة في ايام قليلة واستاجر خبازا من الاك وفي ايام قليلة عاد ت المادة الى الظهور وباسعار عادية وامتنع من هدم الفرن ليظل حصاة في اعين الجزارين..
وهكذا فعل في الماء والنقل العمومي , وغطى الآبار واشرف على نقل القمامة عن المدينة....مستعينا بتلاميذه فقط دون التنسيق مع احد...
الف كتابا في شرح رسم القرآن وضبطه...
والغريب انه في يوم من الايام رآى عند احد بنيه رما من الاوراق الكبيرة ناصعة البياض خطوطها بارزة فسحبها منه ليقرر كتابة مصحف فيها , كتبه على النسق العثماني اولا وارسله دونما كبر او ترفع الى اهل الفن ليلاحظوا عليه , وبعد ذلك لونه بالضبط الذي ضبطه به بعد ذلك الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم وقد كتبه بخط في منتهى الروعة والجمال..
الزم نفسه في آخر حياته باعطاء كل مولود من اسرته الكبيرة عطية شملت الغنم والابل في بعض الاحيان....
قال انه لم يفتخر في حياته الا مرة واحدة , حين استدان من رجل من قبيلة تندغه في طريقهما الى شمامه وكتب له الدين كتابة حسنة فقال التندغي ممازحا هذا خط جميل لكنني لااعرف ما وراءه..فقال له الشيخ احمد محمود مفتخرا وممازحا صاحبه : لن تري هذا الخط شخصا من " القبيلة" الفلانية الا بادر بقضائه لك ....وشاء الله ان مر السيد الفاضل محمد عبد الله ولد السعيد المعروف بالسخاء فلما قرأ الوثيقة اسرع في قضائها...
تخرجت على يديه مجموعات في حفظ القرآن الكريم قليل منهم من لم يبلغ مرتبة الاجازة.
حج الى بيت الله الحرام في آخر حياته لتكون رحلة اخرى مع عفة النفس والشهامة والشرف , تمثل ذلك في حادث تعرض له من سيارة فقد على اثره الوعي وكاد يفقد حياته , ولما افاق ورآى صاحب السيارة وهو من الاثرياء ويكاد يموت خوفا بادره بالصفح والعفو عنه دون مشاورة احد مما جعل صاحب السارة يفاجا بهذا الخلق الرفيع...فقد كان مستعدا لدفع مبالغ ضخمة من المال مقابل تخلية سبيله...لكن شيخنا كان يعلم علم اليقين قول الله تعالى وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم....كان يؤثر الاخرة على الدنيا وكان كما قال المتنبي :
واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام
توفي الشيخ احمد محمود بن الغلاوي فاتح يونيو 2006 ويرحم الله المستقدمين منا والمستاخرين
الكاتب الأستاد : محمد الامين ولد الغلاوي