ها قد أطلت اليوم : ( 21 / اغسطس / 2016 م ) الذكرى السادسة والأربعون لجريمة حرق المسجد الأقصى المبارك ، تلك الجريمة الصهيونية النكراء التي أقدمت عليها دويلة إسرائيل عندما أشعلت يد الآثم "مايكل ويليام روهان" حريقا في المسجد الأقصى المبارك عشية : ( 21 / اغسطس / 1969 م ) ، فالتهمت النيران المشتعلة أجزاء هامة من المسجد المبارك ، وكادت أن تلتقمه الحرائق بالكامل لوﻻ هبة المقدسيين المستميتة في الإطفاء .
خمدت النيران ، وطلع فجر مقدسي حزين كشف عن فداحة الجريمة و جلل المصاب ، فبكى حمام القدس على احتراق منبر القائد صﻻح الدين الأيوبي ، وحزنت قبة الصخرة على فقدان إحدى القبب الخشبية الجميلة المزركشة بالآيات القرآنية ، و انصهرت تسع وأربععون نافذة مزججة وملونة من نوافذ المسجد القبلي ...
لم تكن ردة فعل الدول العربية والإسﻻمية من القوة بحيث تناسب فعلة الصهاينة الشنعاء ، حيث اقتصرت - في معظمها -على سيل من عبارات الشجب وبيانات التنديد ، مما أعطى الكيان الصهيوني وأنصاره الغربيين إشارة قوية شجعتهم على التمادي في تنفيذ مسلسلهم الرامي إلى تهويد القدس وطمس معالمها العربية الإسﻻمية.
لقد بدأ مسلسل التهويد - هذا - عام 1967 م حينما سقطت القدس الشرقية في أيدي الصهاينة في ثاني يوم من أيام ما عرف بحرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل ، فمنذ ذلك التاريخ و دويلة الاحتﻻل العبرية المدللة من طرف آمريكا والغرب تحاول بين آن وآخر أن ترسم - بحكم الواقع - خريطة جيوسياسية جديدة تتناسب مع أطماعها الجنونية ، فطفقت تنفذ مخططها الاحتﻻلي على حساب تاريخ و جغرافيا أمتنا و حضارتها العريقة ، فنفذوا مجزرتهم الدنيئة داخل المسجد الأقصى عام : 1990 م ، فراح ضحيتها اثنان وعشرون فلسطينيا من الركع السجود ، ثم قاد "شارون" شرذمة من أشرار شذاذ الآفاق قاموا باقتحام المسجد مما فجر انتفاضة الأقصى عام : 2000 م . لقد بدأ الصهاينة - في وقت مبكر - سياسة تدمير المسجد الأقصى ، وذلك بطرق مختلفة ، فحفروا تحته - عام : 1968 م - أول نفق ضخم بنوا فيه كنيسة يهودية ، ثم واصلوا مسلسلهم الخبيث في الحفر فشقوا نفقا آخر هائﻻ مر تحت سور المسجد ، فربط مابين حائط البراق وطريق الآﻻم ، ثم تمادت سلطات الكيان الصهيوني في تهويد القدس وطمس معالمها العربية الإسﻻمية ، فأنشأت كنيسة يهودية جديدة عام : 2010م على بعد أمتار معدودة من المسجد الأقصى أطلقت عليها "كنيسة الخراب" ، لتبلغ هذه السياسات الوقحة ذروتها عام : 2012 م عندما أصدرت بلدية الاحتﻻل الصهيوني قرارا تغتصب بموجبه وتصادر باحات المسجد الأقصى المبارك ، فأصبحت هذه الباحات المباركة مستباحة من طرف أنجاس اليهود الذين يعيثون فسادا في مسجد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بحجة البحث عن الهيكل المزعوم !
كل ذلك وقع ويقع تحت سمع ونظر أمتنا العربية الإسﻻمية وهي جامدة ﻻ تحرك أي ساكن ، بل إن سواكنها - إن تحركت - فإنها تقمع من طرف حكامها الذين طالما حرصوا على أمن الكيان الصهيوني أكثر من حرصهم على أمن شعوبهم العربية الإسﻻمية ، فشبت النيران في جسم الأمة العربية الإسﻻمية ، فاحترقت فلسطين وسوريا واليمن ، واحترقت العراق وليبيا والصومال ...
لقد زرع الغرب في أمتنا جمرة إسرائيل الخبيثة ، ثم أحرق الصهائنة الأقصى كأول بالونة اختبار لمعرفة مدى التزامنا بالدفاع عن ثوابتنا المشتركة ، فكشفت ردة فعلنا الضعيفة موت "سليمان" ، فقال الصهاينة كقول جن سليمان لما خر ميتا :" فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " ، فعاثت إسرائيل بمقدسات الأمة ، ونادى حكامنا شعوبهم قائلين : " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ﻻ يحطمنكم سليمان وجنوده ... " فانقلب خوف اليهود من ردة فعلنا على حرق الأقصى إلى شهادة تؤكد دخول أمتنا في غيبوبة تامة ومزمنة ؛ وشهد شاهد من أهلها عندما قالت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني - آنذاك - " كولدا مائير " وهي تصف حالة حكومتها المتوترة بعيد تنفيذ جريمة حرق الأقصى : ( لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجا من كل حدب وصوب ... ، لكنني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء ؛ فهذه أمة نائمة ) !
ثم تتالت الجرائم ، و ضيق الصهاينة الخناق على الأقصى ، وعلى بشر فلسطين وحجرها ، واتسعت رقعة حرائق أمتنا لتتجاوز فلسطين إلى نواح أخرى من أمتنا ، فاشتعلت فينا جسوم جديدة ، و قسم المقسم وجزئ المجزأ ، فأدركنا - ساعتها - أنهم قد حرقونا يوم حرقوا المسجد الأقصى المبارك .
الأستاذ عبد الناصر بن محمد المصطفى