التشاؤم بالأيام في ثقافة " أهل الخيام " د. محمد المصطفى الولي | أغشوركيت

التشاؤم بالأيام في ثقافة " أهل الخيام " د. محمد المصطفى الولي

خميس, 30/10/2025 - 18:00
الدكتور محمد المصطفى الولي

أغشوركيت ( آراء ) : من منتجات التقليد التي ورثها خوف الإنسان من المجهول عبر التاريخ : " التشاؤم " ، وهو ظاهرة ارتبطت بالزمان كثيرا وظلت آثارها منتشرة وممتدة في الممارسة العملية نتيجة اعتقاد قديم ومترسخ لدى أهل " لخيام " ، يعكس مدى عنايتهموتعلقهم بما يتناقلونه من حكايات وأساطير عن طريق ثقافتهم الشفوية أو المروية بعبارة أخرى . 

في هذا المقال لا ننغمس في أدغال تاريخ الثقافة الشنقيطية العياني والمجهري لإيجاد تفسيرات منطقية لظاهرة " طبيعية " معينة ، بل لا تعدوا هذه السطور كونها حديث إيثارة حول" التطير" بأيام الأسبوع لدى الموريتانيين تراعي في مدلولها التنوع المناطقي ، وتعرض جوانب من الآراء الفقهية حول التطير والتشاؤم ، ثم توظف بعض الطرف الأدبية لشد انتباه الباحثين في حقل الثقافة الموريتانية إلى تناول " تيمة " لها جذورها في أدبيات العلوم الإنسانية والاجتماعية لم تنلحظها من الاستيعاب والدراسة ضمن مدونة الطرافة والأسطورة الموريتانية . 

التشاؤم أصل اشتقاقه من التشاؤم بزجر الطير. ومنه قول علقمة بن عبدة التميمي (البسيط):

ومن تعرض للغربان يزجرها .....على سلامته لا بد مشئوم

وكل حصن وإن طالت سلامته *** على دعائمه لابد مهدوم .

وفي القرآن الكريم : (اطَّيَّرْنَا بِكَ )، أي: تشاءمنا بك، وكان قوم صالح إذا نزل بهم قحط أو بلاء أو مصائب، قالوا: ما جاءنا هذا إلا من شؤم صالح، ومن آمن به. / أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرءان / الشيخ محمد الأمين محمد المختار الشنقيطي ، ج 30 ص 14.

 

وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ) . رواه البخاري . والتطيّر هو التشاؤم.

والصرد طائر فوق العصفور أجاز مالك أكله . وقال ابن العربي : إنما نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قتله لأن العرب كانت تتشاءم به فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم . وفي قول للشافعي مثل مالك لأنه أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله . / نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، محمد بن علي الشوكاني / ج 1 ص :401.

وكانت عَائِشَة رضي الله عنها هِيَ الّتِي أشارت بصرف الإمامة عَن أَبِي بَكْر ؛ لمخافتها أن يتشاءم النَّاس بأول من خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ? فِي الإمامة ، فكان إظهارها لرقة أَبِي بَكْر خشية أن لا يسمع النَّاس توصلاً إلى مَا تريده من صرف التشاؤم عَن أبيها . 

قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه صحيح مسلم ح رقم 2224 ( والتطير : التشاؤم ، وأصله الشيء المكروه من قول أوفعل أو مرئي وكانوا … ينفِّرون ـ أي يهيِّجون ـ الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم ، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم ، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهى عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطِيَرة " وفي حديث آخر: " الطِيَرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد .

أما في ثقافة " أهل لخيام " المتوارثة فيرتبط التشاؤم والنهي بأيام مخصوصة يكون العمل فيها منهيا عنه لما قد يترتب على ذلك من حوادث حسب زعمهم ، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك فيسمون يوم الأربعاء الأخيرة من الشهر بالأربعاء " الكحلاء " ثم يقسمون الأيام حسب اتقاء العمل فيها إلى أن : يومي السبت والثلاثاء لا يلبس فيهما الثوب الجديد ، وأن من لبسه فيهما لابد وأن يسرق ثوبه أو يحرق أو يموت عنه .

وينشدون في ذلك قول الراجز : 

يوم الاثنين مبارك باتفاق ...... حرق وسرق في الثلاث أو فراق .

ويقولون أن المرأة المتزوجة لا تمشط شعر رأسها يوم الأربعاء لكون ذلك يسبب وفاة زوجها وهكذا في يوم الأحد بالنسبة لغير المتزوجات  .

ويوم السبت لا يضفر فيه الشعر ، ولا تغسل فيه الثياب لأنه يوم غسل لنفساء الجن . وفي هذا المنوال يستندون إلى قولالمرابط الشيخ محمذن فال بن متالي (ت 1287م ) رحمه الله تعالى : 

في قص الاظافر يوم السبت آكلة ....... تبدو وفيما يليه تذهب البركه 

والعلم والدين يبدو عند تلوهما ..... وإن يكن في الثلاثا فاحذر الهلكه 

ويورث السوء في الأخلاق رابعها ..... وفي الخميس الغنى ياتي لمن سلكه 

والعلم والدين زين في عروبتها ...... عن النبي روينا فا قتفي سلكه .

وقد نص الفقهاء على كراهية توقي بعض أيام الأسبوع بشيء من الأعمال كما نظم ذلك العلامة الجليل : زين العابدين بن اجمد اليدالي ( ت 1358ه) من نوازل الولي الصالح والعلامة الشهير : محمذن فال بن متالي ( ت 1287 م ) رحمهما الله تعالى ، بتعليق شيخنا المجدد محمد الحسن أحمد الخديم " حشن " أدام الله نعمته في صحة وعافية :

وكرهوا توقي الأيام .......والكره ينسب إلى الإمام

يعني أن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى سئل عن ترك الطلاء ( اسباغ ) يوم السبت ، والتداوي يوم الجمعة ، وغسل اللباس يوم الأربعاء ويوم السبت ، فأجاب : التوقي في بعض الأيام مكروه في الأعمال .

وقد قال خليل رحمه الله في جامعه : " ولا تجتنب في بعض الأيام بعض الأعمال ، واعمل في كل يوم ما شئت ، فإن الأيام كلها : لله تعالى ، وكذلك السفر والنكاح ، وأراه عظيما : أن يكون من الأيام ما يجتنب فيه ذلك ، وأنكر الحديث في هذا .

وكره العلماء كذلك ترك العمل يوم الجمعة وحرموا التطير ببعض الأيام وظن اعتقاد المنجمين ، فقد أورد مؤلف كتاب : " مفيد العباد سواء العاكف فيه والبادي " العلامة أحمد بن البشير القلاوي الشنقيطي ( ت 1276ه ) ، ناقلا عن كبير المناوي بعد كلام طويل في شرح قول الجامع الصغير : ( آخرأربعاء في الشهر يوم نحس مستمر ) ما نصه : والحاصل أن توقي الأربعاء على جهة الطيرة وظن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم ، إذ الأيام كلها لا تضر ولا تنفع بذاتها ، وبدون ذلك لا ضير ولا محذور ، ومن تطير حاقت به  ومن أيقن أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله لم يؤثر فيه شيء من ذلك . ا ه كلام المناوي .                     

وقال أيضا بعد كلام : وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أنه ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم ، فلذلك كان جمع من المشايخ يتحرون الجلوس للتدريس فيه ، وذلك لأن العلم نور فبداءته يوم خلق النور فيه تناسب يعين على التمام ، واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان والديلمي مرفوعا : ( من غرس يوم الأربعاء فقال : سبحان الباعث الوارث أتته بأكلها ) قالوا ولما أرسل ملك الروم كتابا إلى المعتصم يتهدده كتب له على ظهره : الجواب ما تراه لا ما تسمعه : ( وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ) . وقام فخرج من فوره في وقت يوم الأربعاء ولم يدخل بيته فمنعه المنجمون وقالوا الطالع نحس ، فقال عليهم لا علينا ، وسار فيه فأسر ستين ألفا وقتل  

ستين ألفا وكانت وقعة أعز الله فيها الإسلام وأهله .

 

وقد أدركنا مشايخنا الشناقطة يتحرون يوم الأربعاء ليبدأ الطالب دراسة كتاب جديد أو بداية مرحلة تعليمية جديدةتيامنا بأنه يحصل على مقصوده غالبا .

وقال الحافظ ابن حجر غضب السلطان على الكمال البارزي كاتب السر ثم رضي عنه وخلع عليه يوم الأربعاء رابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة ، وركب في موكب لم يركب في مثله ، فاجتمع فيه خمس أربعات والثمانمائة تشتمل على أربع مرتين . انتهى .

وسئل الإمام ابن تيمية في مجموع فتاويه عن الأيام والليالي مثل : أن يقول : السفر يكره يوم الأربعاء أو الخميس أو السبت ، أو يكره التفصيل أو الخياطة أو الغزل في هذه الأيام ...

فأجاب : الحمد لله . هذا كله باطل لا أصل له ، بل الرجل إذا استخار الله تعالى وفعل شيئا مباحا فليفعله في أي وقت تيسر . ولا يكره التفصيل ولا الخياطة ولا الغزل ولا نحو ذلك من الأفعال في يوم من الأيام ولا يكره الجماع في ليلة من الليالي ولا يوم من الأيام .

 

وقد قال بعض علمائنا :

الايام لله جميعها فدع ..... لا أعمل اليوم بل اعمل لا تدع 

سافر متى شئت وقص واحلقا .... وانكح وفي لبس غسل أطلقا 

والزم توكلا على الله وظن .....خيرا فإن الله عندما تظن 

 

ومن طريف النصوص الأدبية الحسانية التي عالجت هذه " التيمة" مادار بين ثلاثة أدباء شكاريين بركنيين حول تطويع لازمة طلعة من لبتيت التام " الأيام كلهم لله "

يقول الأديب الشهير الشيخ الأحمدي : اصنيب ولد بوبكر طيب الله ثراه

نسان في البعد امن أولاد .....أحمد وامخيزين والواد 

ذا الدهر أل ماه معتاد .....ثقل يخل خيمت مولاه 

يوم اجبرت من ذ العراد......لله احمدت من معطاه 

ؤقادر يعط يوم أوخر زاد .......الايام كلهم لله .

 

فرد عليه الأديب الكبير : الداه ولد عبد الباقي رحمه الله تعالى

 

عاكب ذ من طول الوحده ......يدلال ، ؤطول النكده 

يدلال ؤمش الشدة ...... يدلال ؤطب التولاه

جيت ؤلا فخلاكك عكده......لِلّي تفن وانت ترجاه 

كالت ركاكت لمشدة...... دون اغد ما يخلك تنزاه

خلوه زاد إلين اغد......  الايام كلهم لله

فجاراهما الأديب الأريب الأستاذ : سيدي محمد عبد الباقي طيب الله ذكره وأطال بقاءه بقوله :

أرسلت المرسول ؤموثوق...... أمين ؤسليق ؤصدوق 

الدور للريم المعشوق ...... يالعكل انك تختير اتراه 

كال ؤذ مسموع ؤمنطوق..... يغير اليوم اعسر مرياه 

وامش لين ادجيب المريوق....... الايام كلهم لله .                                                               والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التطير كما ثبت في الصحيح عن معاوية بن الحكم السلمي قال : " ( قلت : يا رسول الله إن منا قوما يأتون الكهان ؟ قال : فلا تأتوهم . قلت : منا قوم يتطيرون ؟ قال : ذاك شيء يجده أحدكم من نفسه فلا يصدنكم ) فإذا كان قد نهى عن أن تصده الطيرة عما عزم عليه : فكيف بالأيام والليالي ؟

وأما الفأل فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة .

ومن الخصال الموجبة لدخول الجنة في القرآن الكريم : التوكل على الله وعدم التشاؤم . والعرب كانت تتفاءل بالكلمة الحسنة مثل قولهم للمضل يا واجد ، وللمسافر يا سالم ، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى خيبر وسمع المقالة من علي تفاءل لأنه كان يعجبه الفأل الصالح.

وروى الشيخان عن أنس في حديث : ( ويعجبني الفأل الصالح ) : الكلمة الحسنة، وأنشد ابن الأعرابي :

ألا ترى الظباء في أصل السلم ..... والنعم الرتاع في جنب العلم

سلامة ونعمة من النعم .

 

قل للذي ملأ التشاؤم قلبه .......ومضى يضيق حولنا الآفاقا 

سر السعادة حسن ظنك بالذي .... خلق الحياة وقسم الأرزاقا .