أغشوركيت ( مقالات ) : كلمة الإصلاح هذه المرة بعد استراحتها الصيفية وبعد إعلان حزب التجمع للإصلاح والتنمية " تواصل" فتح باب الانتساب إليه بمناسبة مؤتمره الانتخابي المقبل ـ تود أن تشرح وتناقش وتدعو الموريتانيين إلى هذا الانتساب الذي لا يراد به حرث الدنيا ـ لا التوظيف ، ولا الوساطة فيه ، ولا التـقرب من أي جهة كانت بل لا يراد منه إلا حرث الآخرة فقط .
فهذا الشرح وتلك المناقشة سوف لا أحتاج فيها بإذن الله إلى فتح سجلات الحزب ولا إلى الدخول إلى موقعه الإلكتروني لقراءة رؤيته الفكرية حسب نصوصها أو جعلها موضوع الشرح والمناقشة ، ولكن بدل ذلك سوف أتحدث عنه من باب : هل سافرت معه؟ لأقول جوابا على ذلك : نعم سافرت معه وجالست أعضاء قيادته وحضرت اجتماعات بعض هيئاته التي يعنيني حضورها ـ ونظرت في وجوه جميع أشكال المنـتـسبـين إليه وفعلت كل هذا وأنا متـزود في سفري ذلك مع الجميع بآي الذكر الحكيم الذي أحمله جميعا ولله الحمد في صدري وأحمل معه معلومات من النصوص الإسلامية ــ وإن كانت قـليلة جدا لا ترى بالعين المجردة ــ إلا أني دائما أسلي نفسي في ذلك بقوله تعالى (( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون )) .
وحملي لذلك الزاد القرآني وأنا أسافر مع جميع المنـتسبين لذلك الحزب لا لكنزه في صدري ولا لنبذه وراء ظهري ساعة النشاطات المقررة للحزب إدراكا مني أنها محسوبة بدقة في القرآن على كل إنسان يتحرك (( والله يعلم متـقـلبكم ومثواكم)) .
بل بقراءة الآيات وعرض تلك النشاطات عليها والمشاركة فيها عندما يتمحض ويظهر لي مرد وديتها الأخروية .
ولكن أقول هنا ــ والله رقيب علي فيما أقول : إني في تـلك الاجتماعات وحضور بعض تـلك النشاطات لا أرى إلا سمى الخير متميزة في تـلك الوجوه كل الوجوه ذكورا وإناثا شيوخا وشبابا ـ اجتماعات لا تسمع فيها لغوا ولا صخبا ولا تأثيما ولا الخروج لواذا عن الحضور إليها ـ ولكن أرى بدل ذلك المساواة بين الجميع كأسنان المشط في التدخل والنـقد البناء والرد على النـقد بهدوء بمعنى الشورى في أعلى صورها .
وسوف لا يرى الناظر كذلك سيجارة محروقة ولا لحية محلوقة ولا لمعة حرام من امرأة مكشوفة ولكن ترى شبابا تـتـيقن أنهم نشأوا في طاعة الله وشيوخا يظهر لك أنهم يخافون يوما تـتـقـلب فيه القـلوب والأبصار ( ولا أزكيهم على الله ) وكذلك ترى نساءا مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ومع ذلك ( الله أعلم بإيمانهن ) .
فلا ميزة لرئيس على مرؤوس ولا خائنة أعين ولا همز ولا لمز إلى آخر ذلك من سمات المؤمنين في القرآن كما وصفها الله تعالى بقوله (( الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع )) .
فأنا لم أحضر أي اجتماعات لحزب آخر ولكن شاهدت سلوكا في اجتماعات هذا الحزب أظن أن نوعه السلوكي قليل في الأحزاب .
فقد حضرت اجتماعا لمجلس الشوري يوم الجمعة آخر النهار وعندما حانت الساعة الأخيرة من اليوم وكانت المناقشة في أمور سياسة الدنيا على أشدها حول رئيس المجلس الاجتماع فجأة إلى جلسة رفع الأيدي بالدعاء قائلا : هذه ساعة الجمعة الأخيرة واشـتـغل الجميع بالدعاء والتأمين الذي لا عدوان فيه على النفس ولا على أي أحد حتى غربت الشمس .
ومرة أخرى كان اجتماع في الأيام الأولى من ذي الحجة فدخل صاحب الشاي فأخذ شخص أو شخصان من المؤتمرين كأسا من الشاي وبعد دقيقة قال رئيس الجلسة (( الخلطة )) هذه الأيام الأولى من ذي الحجة تـنبيها فقط على ندب صومهم تطوعا وهكذا فهل هذه التصرفات دليل على التقوى أو الفجور ؟
كما أني لا أظن أن أي حزب هنا في موريتانيا يجعل في جدول أي اجتماع له ولا سيما مجلسه الشورى أن كل بداية يوم من أيام الاجتماع تبدأ بدرس ديني وعظي مدة نصف ساعة من ما يجعل الحاضر يكاد أن يلقي شؤون الدنيا وراء ظهره ويخرج هائما لولا أن الجميع يحتسب أن كل اجتماع في الدنيا في الحزب المراد به العمل الأخروي .
فهذا السلوك الإسلامي العفوي الرفيع طبقا لتعاليم الإسلام في قرونه المزكاة هو الذي يجعل كل من يطالب بالانتساب إلى هذا الحزب يأمل أن يكون ذلك ذخيرة له عند ربه كما قال صلى الله عليه وسلم : الدال على الخير كـفاعـله .
ومن هنا سأبـين من أين جاءت الخيرية في الانـتساب إلى حزب تواصل حتى يكون ذلك فيه دلالة الخيرية فأقول المثـل العربي يقول : إن الرائد لا يكذب أهله والأهل عندي هنا هم المؤمنون جميعا ((إنما المؤمنون إخوة )) والجميع هنا يعرف أننا نحن الموريتانيين أكثرنا يحفظ هذا القرآن وهذا القرآن هو الصلة الوحيدة بين الإنسان وخالق الإنسان وقد حدد فيه المولى عز وجل هذه الصلة وملخصها أنه خلقه ليعبده ، وأفهمه أنه بهذا الخلق محاصر من البداية بخلقه وفي النهاية بموته ولم يعطه من الفرصة في هذه الدنيا ولاسيما نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما أعلاه مائة سنة مع أنها أرذل العمر ومع قوله تعالى (( ومنكم من يتوفى من قـبـل )) .
وبعد هذه المدة القصيرة يصل الإنسان إلى نهايته الأبدية ومن هنا أحيل القارئ الكريم إلى فحوى آيتين لهذه النهاية((الذين تتوفاهم الملائكة طـيـبـين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) وقوله تعالى((الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون)) إلى آخر الآية .
فهذا المصير ليس بينه وبين صاحبه إلا أن يأتيه أجله اليوم أو غدا فجأة أو بعد مرض.
وهذا الملخص أعلاه هو الذي قيل لآدم ساعة هبوطه هو وزوجه من الجنة يقول لهما تعالى (( اهبطا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإنه له معيشة ضنكا )) الآية .
وهذا الخطاب يعنى آدم نفسه إلى آخر مولود منه في الدنيا وهذا يعنى أن الله أنزل هذا الذكر فيه أمره ونهيه من عمل به فهو المهتدي ومن لم يعمل به فقد أعرض عنه .
ومعلوم عند أكثر المسلمين أنه بعد القرون المزكاة انفصل العمل بهذا القرآن والسنة المبينة له وأبدل ولاسيما عندنا نحن الموريتانيين بإسلام البـيئة والتـقاليد والعادات حتى أصبح القرآن يتـلى لأجل التلاوة فقط ، أما العمل الأخروي فمقـنن له عمل آخر يعـتـقد المسلم هنا أن الإجراءات الأخروية سوف تجري عليه بسبب إسلامه البيئي التـقـليدي وما يقال في ذلك شفويا دون الرجوع إلى الآيات القرآنية والله يقول :(( وجاءت سكرة الموت بالحق )) والحق هو في قوله تعالى (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تـنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) إلى آخر الآيات والمصير الثلاثي المعروف في القرآن .
ومن هنا أوضح للقارئ الكريم ضاربا له المثـل بنفسي أنني من أول الستينات إلى آخر السبعينات وأنا أحفظ القرآن جيدا ولله الحمد وكنت أمر على كثير من الآيات وهي تخاطبني وأنا غير مكتـشف لفحواها .
ولا أسمع منــتهي دقة التعبـير فيها الذي يخاطبني به ربي شخصيا بل كنت أتـلوها وأنا أعتـقد ما في قـلبي من الإسلام البيئي التـقـليدي وقطعا لم أكن أكثر الناس تـقـليدا ولا أكثرها تمسكا بالإسلام البيئي التـقليدي ولكن كنا جميعا كذلك من باب إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون .
فقد كنت لا أقف للتأمل عند قوله تعالى(( ولقد جئتمونا فرادى كما خـلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تـقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون )) .
وعلى غرار مثـل هذه الآيات جاء القرآن الأخروي كله كذلك وأنا لا أستطيع نقل جميع الآيات القرآنية المتعلقة بمصير الإنسان ساعة موته في هذا المقال ، ولكن أحيل هذا الإنسان الذي يريد أن يعرف الفرق بين حرث الدنيا وحرث الآخرة المذكورين في القرآن أحيله أولا إلى هذا القرآن لقراءته مرة أخرى ولكن عليه أن يتـلوه حق تـلاوته ومعنى حق تلا وته معرفة فحواه وماذا يطلب المولى عز وجل من الإنسان في تـلك الآيات ليسعد بعد موته ، فإن تعذرت عليه تـلك المعرفة مباشرة فإني أحيله إلى ما يعيينه على ذلك وهو كالآتي:
فمن المعلوم أن الله كان يجدد للإنسانية دينها قبـل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بإرسال نبي آخر لهذا الغرض وينزل معه كتاب للتجديد وفيه التبـشـير والإنذار يقول تعالى (( ثم أرسلنا رسلنا تـتـرى كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا )) الآية ولكن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ليس بعدها إرسال ولا كتاب إلا هذا الكتاب الذي سوف لا يرتفع إلى أن يوصل كل ابن آدم إلى مصيره الأخير .
أما الانحراف عن أصول هذا الدين المؤدي إلى تركه أو محاولة تبديله بغيره فستـظل موجودة ولكن يقيض الله دائما لهذا الدين من ينـقيه من انـتحال المنتحلين وأفعال المبطلين إلى آخره ، وآخر من قام بذلك عندما كانت الهجمة على هذا الدين أشرس من الهجمات السابقة حيث جاءت من جميع الجبهات جاءت جبهة الشيوعية المنكرة أصلا للدين وجبهة المادية الغربية التي جعلت المادة دون دينها ودعت إليها أتباعها وما أكثرهم وأسرعهم إليها وجبهة القوميات التي اعتبرت نفسها نائبة عن الدين القرآني وبقي للنظريات والعادات والتـقاليد داخل الدين نصيبها المنحرف إلا أن المولى عز وجل وتصديقا لرسوله صلى الله عليه وسلم أظهر من الفرقة الناجية بإذن الله عباقرة في القرن الماضي فتح الله صدورهم لمعرفة هذا القرآن عن كـثب وأفرغوا فيه أفكارهم وحياتهم الدنيوية إلى آخر لحظة فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينـتـظر وما بدلوا تبديلا .
إذن أنا أحيل كل إخواني المؤمنين إلى اصطحاب كتب أولئك الرجال الذين قادوا الصحوة الإسلامية في القرون الأخيرة لاسيما القرن الماضي ووضعوا القرآن كما أنزل بين يدي القارئ وما يريد المولى عز وجل من الإنسان أن يفهمه من حقيقة هذا الدين عن طريق القرآن ومصير كل إنسان يولد فوق هذه الأرض .
وأنا سوف لا أسمي أساطين تـلك الصحوة في العالم الإسلامي في القرن الماضي ولا أسمي كتبهم لأن الشيطان يكمن كما يقال في التفاصيل ولكن من لم يكن في أذنه وقـر من هذا الدين وغشاوة على بصره فسوف يكون عالما بالأسماء والكتب مع أن معرفة الأسماء لا يــترتب عليها أي شيء لأن المقصود ليس أرواحهم ولا أجسامهم ولكن المقصود هو ما سطروه من فهمهم لتـلك العبارات التي تسطع بتلك الإيقاعات القرآنية مبينة لها ، وشرح المقصود منها للشارع حسب فهمهم الذكي النظيف .
فقدموا هذا القرآن من جديد لهذه الإنسانية التي انحرفت عنه يمينا وشمالا في لغة مبسطة ومؤصلة وواضحة في جميع ما تطرق إليه القرآن سواء عقائديا أو شؤون اجتماعية أو علوم إنسانية وما سيجده هذا الإنسان أمامه طبقا لما ذكره القرآن إن خيرا فخيرا وإن شرا فـشرا: فنرجو من الله أن يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون .
فعـند النظر في القرآن من جديد على ضوء ذلك فسيعرف الإنسان معنى قوله تعالى (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء )) إلى آخر الآية وقوله (( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )) فقد أوضحوا لنا ما جاء في القرآن من خطورة التابع والمتبوع غير ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته التي وردت كثيرا في القرآن يقول تعالى (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تـتـبعوا من دونه أولياء قـليلا ما تذكرون )) كما نبهونا بالتوضيح أن الله عمد إلى ألصق قرابة بعضها من بعض وفرقها بقدره وعدله بين مؤمن وكافر به ولم ينفع أو يضر أحدهما الآخر فمثـل لذلك بين الابن وأبـيه والعكس والزوج وزوجه والعكس كذلك ، وعلى كل فقد أطلعـتـنا دراسة أولئك الرجال للقرآن على سلوك الطريق المستقيم الذي أمرنا الله بطلب الهداية إليه في اليوم والليلة 17 مرة .
وبناء على إدراكنا لهذه الحقائق من القرآن فقط فقد خرجنا بنتيجة وهي كالتالي :
ندرك من رجوعنا إلي القرآن وفهمه كما أنزل بأن هذا الإنسان محاصر حصارا لا ينفعه بالخروج منه سالما إلا بالرجوع إلى هذا الإسلام كما جاء في القرآن وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم لأمـتـه .
فالإنسان لا يتحكم في أن لا يخـلق وإذا خـلق لا يتحكم في أن لا يموت وإذا مات لا يتحكم في مصيره فمصيره مرتبط بنوع عمله الدنيوي حسب ما قـرره القرآن .
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشـد المؤمن إلى طريقين لا يكون الخلاص إلا في سلوك أحدهما ففي الحديث : يوشك أن يكون خير عمل المرأ غنيمة يتبعها سعف الجبال يفر بدينه أو يلتزم خط الجماعة لا يحيد عنه يمينا ولا شمالا وعند البحث عن معنى " ال " في الجماعة فسنجد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال في آخر الحديث وستـفـتـرق أمتي ثلاث وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة وعندما سئـل عن تعيـينها قـال ما أنا عليه وأصحابي ، وفي رواية وهي الجماعة ،هذا الحديث رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ، وهذا التحديد للفرقة الناجية يؤدي إلى سقوط الكثير .
فيقال أن الأستاذ يحظيه بن عبد الودود رحمه الله عندما يشرح قول ابن عاشر:
شرط الإمام ذكر مكلف *** آت بالأركان وحكما يعرف : يقول بكلمة ذكر سقطت ربة البيت، ومكـلف سقط الاين الصغير ويسميه ، وآت بالأركان يسقط نفسه لوجع في ركبته لا يستطيع القيام معه ، وحكم يعرف سقط الراعي ويسميه .
وهنا أقول عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحدد الجماعة : ما عليه أنا وأصحابي سقطت جميع المسميات المقيدة بصفة أو تحمل اسما لم يسمها الله به : وللمقال بقية تـتـابع الموضوع بإذن الله في حلقة قادمة .