أغشوركيت ( مقالات ) : كلمة الإصلاح هذه المرة أرادت في هذا المقال أن تـثير قضية مصير التعايش الدنيوي بين ديمقراطية موريتانيا وإسلامها غدا أي عند ما يتـقدم أحد منا إلى الآخرة التي تبدأ إجراءاتها الأبدية عند الموت كما قال صلى الله عليه وسلم : القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .
وهذه الإثارة لا أريدها فقط مجرد تبادل أفكار أو اقـتراحات سطحية على صفحات وسائل الإعلام والتواصل بل أريد اقـتراحا يخرجنا من هذه المحاصرة إلى بر الأمان الأبدي .
فنحن الموريتانيون جميعا مسلمون ولله الحمد بمعنى أنـنا نؤمن بأن كل ما جاء في القرآن سيقـع مثـل ما أنـنا نـنطق الكلمات (( فورب السماء والأرض إنه لحق مثـل ما أنكم تـنـطقون )) فمن لم يكن هذا إيمانه فغـبر معني بهذه الإثارة لأنه غير عاقـل وغير العاقل لا يعنيه الخطاب الموجه للعـقلاء(( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعـقلون إن هم إلا كالأنعام )) الخ الآية .
ومن هنا سنوضح موضوع هذه الإثارة للعـقلاء وعلى رأسهم العلماء غير التـقليديـين أي العلماء المخضرمين السامعين بمعرفة كاملة ودقيقة لما يقوله القرآن وفي نفس الوقت مشاركين في ما تمليه الديمقراطية على المسلمين متجاهلين أن المسلمين يشعرون بانـتظار محاكمة على أقوالهم وأفعالهم مهما كان خيرها وشرها ونتائج ذلك متحققة الوجود للمسلم .
فنحن هنا في موريتانيا عـندنا القرآن ونسمعه يوجه إلينا خطابه مباشرة مثـل قوله تعالى(( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تـكسبون )) وفي نفس الوقت يخاطبـنا بقوله (( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تـخفوه يحاسبكم به الله)) وهذه المحاسبة تبدأ من العـقـيدة في القـلب إلى عمل جميع الجوارح قولا وفعـلا .
فالله يقول( وأعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)ويقول أيضا(ولكن يواخذكم بما كسبت قـلوبكم)الخ الآية.
ونحن كذلك الموريتانيون جاءتـنا الديمقراطية وهي تحمل إلينا دستورا ألزمتـنا بأن يكون مكتوبا وأنـنا لا نتجاوز ما كتب فيه وأن ثوابته هي فريضة علينا بغض النظر هل الإسلام أمرنا بالتمسك بهذه الثوابت أو لم يتـكلم عليها أصلا .
وهذه الديمقراطية أوحت إلينا أن على الإنسان أن يخط طريقا لنفسه يكون الحكم فيها للشعب وبما أن الشعب يتـكون من أفراد لا يصح أن يحكموا جميعا فعلى هؤلاء الأفراد أن يعينوا بانتخاب يأتي بأغلبـية تـنوب عنهم في التـشريع الذي يتحاكمون إليه .
ويشارك في هذه الأغلـبـية كل من بلغ سن البلوغ بغض النظر عن طبيعته المعنوية الخاصة به ، وكذلك فإن شكل الانـتخابات وكيف تقع جاءت به الديمقراطية ، كما أنها فرضت على موريتانيا المسلمة التي تؤمن بقوله تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانـتـهوا )) أن يكون فيها موالاة ومعارضة ، فالموالاة تعرف بأنها تؤيد برامج الرئيس لإصلاح البـلد وهنا يجب على هذا المؤيد أن ينـزع المسؤولية الأخروية من قـلبه ويؤيد ويصوت لأي مشروع يرى أن الرئيس يرضى على التصويت عليه وفي الكتابة التي تصدر من الكتاب ليـبدي الكاتب هذه الموالاة على الكاتب أن ينسى مسؤوليته الأخروية عن ما يقول في عباراته أحق هو؟ مع أنه قـل في موريتانيا من لا يحفظ قوله تعالى (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيـب عـتـيد )) وقوله تعالى يخاطب الذين لا يراعون فيما يكتبون ما حرم الله من القول (( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )).
كما أن هذه الديمقراطية فرضت على موريتانيا المسلمة أن تكون فيها معارضة للسلطة الحاكمة عليها وفي سنة الديمقراطية الموريتانية أن تـتـصف هذه المعارضة بصفة البطانة التي كانت تعمل داخل المؤمنين وهي لا تألوا المؤمنين خبالا إلى قوله تعالى في هذا الوصف (( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها )) الخ الآية فهذا يجب أن يكون هو موقف المعارضة من المولاة .
وهذا الوصف يلاحظ أن الديمقراطية تركته مفاعـلة دائمة بين الموالاة والمعارضة أو هكذا فسروها بوصف هذه المفاعلة الدائمة .
ومن هنا نعود إلى جزء من إثارة إسلامنا في موضوع حياتـنا الدنيوية وما أدخلـته الديمقراطية في هذه الحياة الدنيوية .
فمن المعلوم أن موضوع القرآن كله هو الإنسان((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)) إلى قوله تعالى (( إنا هديـناه السبـيـل إما شاكرا وإما كفورا )) .
ومن المعلوم كذلك أن هذا الإنسان يشـمل ما في موريتانيا من بني آدم على غرار جميع سكان القارات وأن هذا القرآن الموجه أوامره ونواهيه للإنسان هو الإنسان نفسه إبان نزول القرآن إلى آخر إنسان في هذه الدنيا بمعنى أن قوله تعالى (( ولقد خـلقـنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حيل الوريد )) تـشمـل الإنسان الموريتاني كما شملت الصحابة كما أن " أل " في الإنسان هنا دائما للاستغراق فـتـشمل الرئيس والمرؤوس على حد سواء .
ومن فضل الله على الإنسان الموريتاني أنه يؤمن كله بفحوى قوله تعالى (( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه )) إلى قوله تعالى (( فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستـقر ينـبـؤ الإنسان يومئذ بما قـدم وأخر بـل الإنسان على نفسه بصيره ولو ألقى معاذيره )) فالمستـقر هنا عند الله وحده ويبدأ هذا المستـقر عـند الموت مباشرة بعـد الحياة في الديمقراطية .
ومن هنا أود أن تـكون إثارة هذا الموضوع وهو : تعايش الديمقراطية مع الإسلام في موريتانيا يقهم منها أن العمل بهذه الديمقراطية في حياتـنا الدنيوية هل يكون معذرة لنا عند ربـنا بعد الموت الذي قد يكون غـدا أو بعده أو نحن في الدنيا مثـل النعامة نــتـجاهل الخطر حتى نـقـع فيه .
فكم مات منـا بعد العمل بهذه الديمقراطية سنة 92 إلى يومـنا هذا وقدم إلى الله من رئيس ومن منـتـخب ومنـتـخب باسم الفاعل والمفعول ، ومع ذلك مقــنوط من رجوعهم إلينا لنعرف منهم أين يكون عمل الإنسان طبـقا للديمقراطية من الإسلام : هل إن كان خيرا مع اعـتـقاده لامتـثال قوانين الديمقراطية يكون في كفة ميزان حسناته وإن كان شرا في الديمقراطية يكون في كفة سيئاته بغض النظر عن مخالفـته أوامر الله أو موافقته لها .
فمثـلا نحن عندنا موالاة ومعارضة كما تـقدم وكلهم موريتانيون مسلمون ، ومعروف أن المسلم يحرم عليه الإساءة على المسلم أيا كان ويحرم عليه دمه وعرضه وماله إلى آخره ، وأن السلطة في الإسلام يحرم أذاها بأي نوع من الأذى ويحرم الخروج على أوامرها ـ والسؤال هنا المراد إثارته : هل وجود هذه السلطة على رأس الدولة عن طريق ما أمرت به الديمقراطية يعطيها القدسية التي أعطاها لها الإسلام أو أن السلطة بما أنها تعـتـقد أن الانخراط في المعارضة أو عدم إعلان الموالاة يـبـيح لها عدم الالتزام بحقوق المواطن المعارض في الدولة هل يكون هذا بمثابة رفع الحرج عن أذى السلطة أو الخروج عليها أو عصيانها إن استطاع إلى ذلك سبـيلا ولا خوف عـنده في الآخرة من أن يـلقاه أي أذى من تـلك المعارضة للسلطة الشرعية .
وخوفا من أن يـلتـبس الأمر على القارئ الكريم أو المساعد على إثارة الموضوع في الدنيا قـبل الآخرة فإني أوضح أني لا أعني بالإسلام هنا الحكم بما أنزل الله في شأن الحدود خاصة فـتـلك مسألة نحمد الله نحن الشعب الموريتاني وندعو الله بطول العمر والعافية الدائمة والرزق الواسع من حيث لا يحتسب للرئيس محمد خونه بن هيدالة الذي أعفى الشعب الموريتاني من فرض عين كان سوف يسأل عنه كل مكلف من موريتانيا وذلك بوجود تـقـنين القانون الجنائي الإسلامي الذي كتبه الله أولا مفصلا في كتابه العزيز وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بسنـته ما لم يتـبـين للمسلمين منه في الآيات البـينات وقـنـنه العلماء العارفون بالشريعة الإسلامية وأصبح الحكم في قضية الحدود أجره أو وزره متعـينا على شخصين فقط هما القاضي الذي يحكم في الموضوع والرئيس الذي عليه التـنـفيذ .
وبالمناسبة مادام هذا واضح في القرآن وفي السنة وهو أن القاضيـين اللذين في النار بنص الحديث هو القاضي الذي حكم دون أن يكون عارفا بالحكم عدل أم لم يعـدل أو قاضيا عرف ولكن قضى بغير الحق وكذلك فإن الرئيس خاطبه ربه بقوله (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقـبة الأمور )) .
ولاشك أن الأول من الأمر بالمعروف هو إقامة الحدود ، ولاشك أيضا أن هذه الخصلة تخاطب الرئيس وحده فيحرم التعدي عليه فيها فلماذا كثير من الجماهير تطالب بإقامة القـتـل على المسيء متجاوزة القاضي المحكوم عليه بدخول النار إذ حكم بغير الحق في الموضوع وهو المباشر للاستجواب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابي : أذهب إلى امرأة هذا فإن اعـتـرفت فأرجمها ولم يقـل : أذهب فأرجمها ومتجاوزين كذلك مسؤولية الرئيس المخاطب في القرآن بقوله (( تـلك حدود الله ومن يعص الله ورسوله ويتعـد حدوده ندخـله نارا خالدا فيها )).
وبما أن هذه القضية مثارة الآن فقد ذهب معها القـلم إلا أني أعود فأقـول أني لا أعني بتعايش الديمقراطية والإسلام هو إقامة الحدود للجواب أعلاه ـ ولكن باختصار شديد فنحن عندنا دستور نحترمه احتراما شديدا في معاملتـنا حتى أن ثوابته غير الدين الإسلامي والوحدة الوطنية وحوزة التراب الوطني إلى آخره مثـل تحديد المأموريات الرئاسية وسن الانتخاب إلى غير ذلك من ما أحدثـه الدستور ، بعض الناس مستعد للتضحية بروحه إذا خرقت تـلك الثوابت فهـل هذه التضحية في مثـل هذا تكون عـذرا عند الله أمام مساءلته للفـاعل .
وكذلك فإنه من المعروف أن طريق الدستور في الوصول إلى أي حق انـتخابي يكون بالانتخاب والنجاح .
ومن ما يؤكد هذا التعايش بين الديمقراطية والإسلام في موريتانيا أنه في الآونة الأخيرة فتح باب التصويت على بعض من مواد الدستور ، وبما أن المعارضة لم تراقب التصويت فأهل مكاتب التصويت لم يتعبوا أنفسهم بتـتـبع إجراءات الديمقراطية في التصويت ، فكل من يعرف أنه معارض ميزوه في اللوائح قـبل يوم التصويت وجميع المسجلين غير المعارضين أشروا أمامهم بأنهم صوتوا لصالح تغيـير المواد حتى أن القرية التي لا يعرف فيها معارض أشروا أمام أسمائها كلها سواء كان حاضرا أو غائبا ـ وفي نفس الوقت أصحاب المكاتب حافظوا على الصلاة في الجماعة وفي المسجد في الظهر والعصر والمغرب أوقات الانـتـخاب ـ فإذا كان هذا يعـد تـزويرا ومعروف أن التـزوير من أكبر الكبائر فهل يكون هذا تـزوير مخالف لقانون الديمقراطية وأصحابه لا يقصدون به التـزوير المنهي عنه في الإسلام ، وهل هذا يعـد عذرا مقبولا عـند ربنا ساعة الموت وما بعـده .
فالمعلوم أن قانون الديمقراطية لا يعـد بجزاء لا خيرا ولا شرا بعد الموت ، بل إن القانون الوضعي الذي يـعد قانون الانتخابات جزء منه يقول : إن الدعوى العمومية تـنـتـهي بالموت ولكن الله يقول ((ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه )) وفي نفس الوقت يقول (( قل إن الموت الذي تـفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغـيب والشهادة فينـبـئكم بما كـنـتم تعملون )) .
يتـبع بإذن الله