أغشوركيت ( نافذة الثقافة والأدب ) : على هامش وقائع اليوم الثاني من مهرجان المذرذره الثقافي، وفي ركن هاديءٍ من ذلك المخيَّم الجميل المضروب بإتقانٍ في وسط المدينة لاحتضان تلك التظاهرة الثقافية المتميِّزة..
استرقْتُ من وتيرة الزمن المتسارع عشيتئِذٍ لحظاتٍ سعيدة شاردة..
كان لي فيها مجلس أدبي خاطف مع أحد ضيوف الملتقى من الأدباء الألبَّاء هو العقيد المُتقاعد مولاي ٱعْلِ ولد الدَّافْ..
استأثر"صديقُنا" المُشترك فقيد الأدب الشيخ ولد مكيّ بالجزء الأوفر من حديثنا العابر.
وممَّا حدَّثني به مولاي ٱعْلِ أن قريحة الشيخ رحمه الله ظلَّتْ متوقدة إلى آخر حياته وساق على ذلك مثالاً..
فقال: حضرتُ له مجلسًا سنة 1996 قبل وفاته بثلاثة أشهر في منزل صديقه الحميم بابَ ولد بوبكر المعلوم في انواكشوط حضره العلامة حمدن ولد التاه وأخوه ببَّهَا "ببَّ" عَلَمًا رحمه الله و الفنّان سيدي ولد دندنِّي.
و أثناء "الهول" أحسن الفنَّان التطريب في "نحية" له معلومة كان الشيخ قد أنشأ له فيها كَافًا ذائعًا سنة 1975 يقول فيه:
سيدِ مِنْ مَزَالْ اسْغَيِّيرْ == طبعُ زيْنْ أُ كيفُ هوْلُ
تَزولْ الجبالُ يغيْرْ == الطباعُ لا تَزُولُ!
قال محدِّثي: و رغم تقدُّمِ سنِّ الشيخ ما كان منه إلا أن أخذ منه الطربُ كلَّ مأْخذ و أثار لديه دوافع القول فالتفت فجأةً إلى الفنّان و أشار إليه بأن يُغني بالكَاف التالي:
فِالنِّحْيَ و الشور المكْيولْ == مَطبُوعْ ٱعْلَ كَافْ ٱنكولُ
و ٱعْلَ عِزِّتْ مطبوعْ الهولْ == و الطبْعُ شِ لاَ يزولُ
وبينما الفنان يردد بتطريب جميل هذا الكاف البديع، إذ تنبه الشيخ إلى أن التمثيل بالطبع و استحالة زواله هو معنى قديم سبق له أن أتى به قبل عشرين سنة و نيف في النحية ذاتها و في حق نفس الفنان، فما كان منه إلاَّ أن قال مُستحضرًا: أهيه.. أهيه..
إذنْ فأكمل شدوكَ بالكَاف ثمَّ ما إن آستكمل الفنان شدوه حتَّى أردف قائلً:
سيدِ يَكانْ ٱكْبَظْ مَلهاهْ == و اسمعْ كَولُ حدْ ٱفهولُ
ما نَهُولُ سيدِ مَا لاَهْ == ٱتْلَ شِ كَاعْ إِنَهُولُ!
فلم يَستغرب الجميعُ سرعةَ بديهته عند إنشائه ذلك النص البديع بقدر ما بهرتهم سرعة استحضاره بداهةً نصا عابرًا مضى عليه ما يربو على عقدين من الزمن السيَّار..
قلتُ لمولاي آعْلِ: و في ذات النحية يقول الشيخ كذلك كَافه المشهور:
عِدْتْ ٱمْجَوْلِ لِلْمَلاَهِ == أُ عِدْتْ ٱمّلِّ كَافْ ٱنْكُولُ
يَغْلبْنِ كَوْلُ للهِ == بعْدْ القُوَّةُ و الْحَوْلُ
و يُحرِّفُ الرواة هذا الكَاف تحريفًا يجعله أحسن من صيغته الأصلية بقولهم " عدتْ ٱمكللْ فالمَلاهِ " و لكن الشيخ ما فتيء يتبرأُ من ذلك التحسين، إذ قال لي مرة في شأْنه في شتاء 1992 في ألاكْ ما مضمونه: " إن من هو في مثل سنِّي لا يقول إلاَّ كما قد قلت "!
قال مولاي اعْلِ: و يُخطيءُ مِنَ الرواة كذلك مَن ينسبون الكَاف التالي إلي المختار بن هدَّار إذْ أخبرني ابِّيهْ بن المختار بن هدَّارْ أنه هو من أنشأَ ذلك الكافَ لا أبُوهُ المختار رحم الله الجميع و هو نص مُلازم السَّابق إذ هو تعليق عليه:
ذَ الكَافْ اموكَّفْ تِخْمامِ == لِ ياسِرْ نَخْتَيْرْ ٱنْكُولُ
كَامْ أُ حَاصُ مِنْ كِدَّامِ == ذَ الصَّيْدْ أُ كَالُ مَكُولُ!
قال محدثي سألت الشيخ مرة: ما هو أحسن نص أنشأْته؟
فقال ما معناه: الشاعر لا يُنتج نصا إلا و يتخيله حسنًا؟
قلت له مُلِحًّا: و لكن لا بدَّ أن يكون هنالك تفاوتٌ في مستوى رضى الشاعر عن نصوصه؟
عندئذ قال: " طَلْعِتْ بَقَّاسْ ذِيكْ بَعْدْ عَنْدِ عَنْ مَا خَاسِرْ أَعْلِيهَ شِ"!
قلت: أما أنا فقد سمعته مرة يقول إنَّ مِنْ أحسن الشعر الحساني عنده طلْعتْ سيديا ولد هدَّار التي أولها:
يعكل ذاك ٱحسيْ == إدارْ أُ ذيكْ ٱمَّلِّ دَيْ == يَانَ الخ..
و طلْعتْ: "ليْلتْ فُمْ أجارْ"..
يظهر في الصورة المرفقة الشيخ ولد مكيّ مُحَاطًا بصديقيْه بَبَّ ولد التاه عند اليمين أي يمين الصورة و بابَ ولد بُبَكر المعلوم عند اليسار.
رحم الله السَّلف و بارك في الخلف.
محمدن ولد سيدي الملقب بدّن