أغشوركيت ( مقالات كتاب الولاية ) : لا يختلف إثنان في أنّ بلادنا جسر للتواصل العربي مع إفريقيا السّمراء بما يُمثّلُهُ ذلك من تأكيد تاريخي وجغرافي ملموس على الطّابع " اللاّعُنْصُرِي " (non racial) لتكوين المجتمع الموريتاني، حيْثُ تمّتْ " أفْرَقَةُ " قبائل وأُسَر عربيّة وتَمَّت بالمُقابل عمليّة "تعرُّب" لقبائل وأسَر إفريقيّة موريتانيّة. وهُنا يندرِجُ مفهوم "عربي- إفريقي" (arabo-africain) أو عربي وإفريقي (arabe et africain) الوارد في الدّستور... ولا تزال هذه العمليّة التاريخية والجيو- سياسيّة جاريّة وساريّة المفعول إلى اليوم. وعلاوة على كوْنها إحدى المحدّدات الأساسيّة للهويّة الوطنيّة، فإنّها مع ذلك سدّ منيع وحصنٌ حصينٌ في وجه كلّ من يُحاول العبث بوحدة وتماسك هذا الشعب العربي الافريقي المُسْلم والمُسالم، حفظه الله من كلّ شرّ و مكروه. وأعتقِدُ أنّ هذه الرُّؤيَة "الكُلِّيَّة" و"الجامِعَة" لموضوع الانصِهار والانسِجام في "كُلٍّ" واحِد لا تتَعارض مع الرّؤيَة "الفَرعِيّة" و"الإفْرادِيَّة" لواقع الاختِلاف والتّعَدُّد الإتني والفئوي والشرائحي والجِهَوي، إلخ،،، المدفُوع دَفعاً قوِيّا برِيَّاح العَولمَة وسياسات الأنظمة الفاشلة. لا تعارض بين الرّؤيتين إذا ما تْخَيَّلنا المجتمع وكأنَّه بَطحَاء أو نَهر كبير تنصَبُّ فيه رَوافِد متَعَدِّدَة وتَجتَمِع في قاعِه، ولكلّ رافِد منها تميُّزُه الخاص وإسهامُه الوافِر وعِطرُه الفيّاح؛ أو كبُستان واحِد يستمِدُّ جماله من تنوُّع أشجاره وأزهاره ووُرُوده الأنيقَة بألوانها وأسمائها المختلفة.
ومن هذا المنظور، علينا أن نكونَ واقعيّين... لا مناصَّ من وجود حركات مثل "إيرا" و "الحر" و "افلام" و مبادرة "الصُّناع" وغيرها من الحركات في بلد كبلدنا. هذا هو منطق التاريخ... حيثما وُجِدَت مجموعات تشعر بالظلم والاضطهاد، لا بُدّ وأنْ ينتشِرَ الوعي بتَخَلُّفها عن بقيّة الرّكب مع مرور الوقت؛ ثم تظهَر نخبة مُتَعَلِّمة من أبنائها يزداد بها الوعي والادراك بهذا التخلف في ظلّ مناخ سياسي عالمي مؤاتي وداعِم لأيّ أطروحات تَتَّخِذ من "الانسانية" شعارها، مثل : محاربة الاسترقاق، والتمييز العرقي، واللامساواة، وانتهاك حقوق الإنسان، والتهميش، والإقصاء...وما شابه. وبالتالي، فإنّ الاعترافَ بهذه الحركات والتَّعامل معها إيجابيّا أقرب عندي إلى الحكمة والعقل من نبذها وتَجريمها استِناداً إلى مُثُل ومبادِئ جَميلة، لكنّها فضفاضَة ولا صلة لها بالواقِع المَعيش في ظلّ "العَوْلمَة" التي "خَلخَلت" الدّولة القَوْمِيّة" (l'État- Nation) في أكثر من مكان. ومن الأفضل برأيي المتواضِع أنْ يكون ذلك الاعتراف وذلك التَّعامل من فوق الطّاوِلة وليس من تحتها، وأن يكونَ اختيّارا استراتيجيّا ومصيريّا، لا مُراوَغات تكتيكِيّة أو مواقِف مرحليّة وآنِيّة متَغَيِّرَة.
و هذا لا يعني بطبيعة الحال أن كلّ الحركات المطالِبة بحقوق الشرائح والفئات والمهتمّة بمحاربة الرق والتمييز، هي حركات مفيدة أو بنّاءة أو مشروعة، أو عادلة... هناك بالطَّبع من يصطاد في المياه العكِرَة، و هناك من يدخل الحَلبَة من أجل التَّرَبُّح أو من باب المعانَدَة والانشِقاق أو خِدمَة لأجندات أخرى ... كم كلمة حق يرادُ بها باطل؟! ولذا، هناك محاذير يتعيّن على هذه الحركات وعلينا جميعا الانتباه إليها في طرح موضوع الشرائح والفئات والقوميات كي لا نخطئ خَطَأً جسيماً يجعلنا نُعالج خللا أو منكرا فنَتَوَرَّط في خلل أو منكر أشدّ منه... فالفرق كبير بين المطالبة بحقوق مشروعة للقَوميّات أو الفئات المظلومة وبين تفكيك المجتمع وزرع بذور الفتنة والانشقاق والانفصال والانفصام... وفي مُجْمَل القول، ينبغي الاعتراف بكلّ الحركات شريطة أن تلتزم طواعيّة أو كرها باحترام مقدّسات وثوابت الأمّة، وحصر نشاطها ضمن ما يسمح به القانون. وبالمقابل، ينبغي ألاَّ تُواجَه في أنشِطتها إلاَّ بالقانون، والقانون وحدَه. وهنا، يأتي دور النخبة الواعية التي يُمكنها عبر الحوار والنقاش تطويق الحركات المطلبية، وتأطيرها، وترويضها، وتهذيبها، و درء مخاطرها عن الوحدة الوطنية بالتي هي أحسن: بالحِوار، والتّعليم، والتكوين، والتّوجيه، والنّصح، والإرشاد، إلخ،،،
من فضلكـ، حَلِّل وناقِش الموضوعَ في العمق وبهدوء؛
هذا رأيي يحتَمِل الخطأ، ورأيُكَـ يحتمل الصواب.