أغشوركيت ( مقالات كتاب المقاطعة ) : قبل عقد من الزمن كانت قاطرة السياسة في شكار تسير على صراط المدنية والدوران مع أي حكم يحكم البلد على ضوء طموحات منتخبيه — إن كان منتخبا — والعمل على مافي وسعهم من بقائه إن لم يكن كذلك ، باعتباره رئيس حكومة سياسية تنكب طريق الشرعية واستظل بأطر يتجمع فيهم الشعب ويتكون في مجال تعاطي الشأن العام ، كما هي الحال بالنسبة لرجال السياسة في شكار ، فقديما كانت السياسة عندهم تراثا انسانيا مشترك — المحاصصة — ومستهلكا لايتجول في أفراح مشهده إلا ذو حظ عظيم ، إلا أن الدولة الحديثة ليست فيها ملكة فكرية ولوكانت " بيعتها تحت الشجرة قديمة " وحقوقها الفطرية والمناطقية ماتزال محفوظة ! .
إنها قصة عشق تليدة كان عازفو قيثارتها وقارئو فنجانها صادقين إلى حد كبير ، بل إن خياراتهم كانت تصغي لها آذان الشگاريين وتتبع معظمها ، رغم اختلاف الوجهات والدلالات المآلية التي تضفي بغموض النتائج المنتظرة ، من ارتكاب موجة لم يكن لأصحابها في عالم الترابية والتراتبية أي وجود ، ولكن في كل مناسبة تتمحض دائرة الولاء وتنفتح قنوات لصالح السياسيين المدنيين يومها واسعة الإنتشار ، فلا صوت يعلوا على صوت الموالاة الداعمة لسياسات الدولة وبرنامج رئيس الجمهورية ، هكذا كانت السياسة في شكار ، حيث الجواد في الوادي لم ينافسه حزب تكتل القوى الديمقراطية ولا التجمع الوطني للإصلاح والتنمية " تواصل " ولاحزب الوئام الديمقراطي والإجتماعي .... فالمياه تجري تحت جسور " وحدات " ومنتخبي الإستبداد " السياسي " يسبحون في خيار الشعب الواحد .
خيوط مؤامرة إبعاد النخبة :
في هذه الأثناء واستجابة لمعركة التجديد السياسي الساخنة الشد والجذب على مستوى بلدية شگار ، برزت خيوط المؤامرة تطرح تمهيدا لإبعاد من كانوا من نخبة المدينة في الميدان ، استباقا لأحداث مراوحة المكان كنوع من الإستعداد لانفجارات ستتوالى أضرارها على الخارطة السياسية بعد الإنتخابات الرئاسية المنظمة في 18 يوليو / تموز 2009 ، والتي فاز فيها الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بعد قيادته انقلاب الثامن من أغسطس / آب 2008 الذي أطاح من خلاله بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد ، هو : سيد محمد ولد الشيخ عبدالله ، وقد شهدت بلدية شگار في غضون سنوات مابعد الإنقلاب بداية تفرج ديمقراطي التوجه في المشاركة الفردية والقبلية والمجتمعية على السواء ، إذ أن العلاقات السياسية العامة للمواطنين مع أطرهم وسياسييهم " الجدد " لم تعد إنسانية التفاهم وانسيابية المشاركة ، مما حول بوصلة المناخ السياسي إلى مسرح من النزاعات تنخفض درجة حرارته كلما تعطلت ماكنة تنسيق الأطر والوجهاء في المدينة مع القوى السياسية الفاعلة في المنطقة ، الأمر الذي جلب النفع إلى الأحزاب السياسية المعارضة في البلد باقتحام نفق الدخول في مشهد أصبحت فرسانه خشب مسندة .
سيناريو السقوط والتدشين :
في هذه الأيام سيطلق بحول الله تعالى حزب الإتحاد من أجل الجمهورية UBR ( الحاكم في موريتانيا ) حملة انتسابه على عموم التراب الوطني ، وتتزامن — كعادة أي نشاط حكومي — مع بداية سنة عجفاء بسبب نقص الأمطار وكوارث العطش وترهل الطرق والصحة والتعليم والبنية التحتية وهشاشة الإقتصاد والإرتفاع الجنوني في الأسعار ، وآثار الجفاف الذي لم تتعامل معه الدولة كما تم التعامل معه في سبعينيات القرن الماضي ، ولذات الغرض فقد شكل الحزب عدة بعثات لضبط عملية الإنتساب أخذ فيها بعين الإعتبار معيار الجهوية المتخذ من المناطق والمدن نسبة الشفافية والولاء في التمثيل ، والغريب هنا ! أن جميع الخطوات التي قام بها الحزب الحاكم من تشكيل لجان إصلاح الحزب وإعادة هيكلته وبعثات التحسيس ومنسقي عملية الإنتساب ... كانت كلها خالية من إشراك ساكني بلدية شگار ، وإن كان النظام حاول أن يتدارك الخطأ باختيار أحد أبناء المدينة كعضو في اللجنة المركزية ، وفعلا كان موفقا في اختيار قد لايكون اعتباطا ، فالإطار السياسي البارز ، محمد المصطفى ولد محمد فال من رجال المدينة الذين يعملون مع النظام بجدية وصمت وإخلاص طوال حياته الإدارية قبل أن يتقلد منصب والي ولاية اترارزة وحتى الإدارة العامة للحريات بوزارة الداخلية واللامركزية ، فهو من نخبة " الإجماع " القريبة من المواطن والسعي إلى حلحلة مشاكله وهمومه ، إلى جانب شعبيته التي تعتبره المرشح التوافقي على صعيد الولاية والبلدية ، فإضماره عن الواجهة وتغييب الوزير السابق والدبلوماسي : سيد محمد ولد ببكر صاحب المسيرة المهنية الناصعة يوم كان وزيرا أول ووزير مالية وسفيرا .... فكلها اختبارات اجتازها الرجل بأدوات المهنية والتفاني في خدمة الوطن والمواطن ، فضلا عن ماتركه الوزير من أيادي بيضاء على البلاد وساكني بلدية شكار التي أدار مراحل المشهد السياسي فيها بقدرة مكنته من التعامل مع الجميع ، فعدم ترفيع الأول واحتضان الثاني سيطرح جملة من السيناريوهات المحتملة في تبديد بريق أداء الحزبيين الشگاريين الذين خفت صوتهم " التكتيكي " في الإنتخابات البلدية والبرلمانية التي جرت في نوفمبر / تشرين الثاني 2013 والتي آذنت بسقوط مدينة النظام " الأثرية " !
في يوم الثلاثاء 6 مارس كانت مدينة شگار تنتظر بفارغ الصبر تدشين شبكة مائية ستزود المدينة بالماء الصالح للشرب على غرار باقي مدن الولاية ، لكن صانعي سياسة اللعب على عقول المواطنين ماأرادو الصدق مع الله والنفوس ، ضربوا بلوحة من الإسمنت المضيء في ساحة أشبه ماتكون بمرابض جيش يتأهب لحرب باردة ، أشرف الوزير على تدشين ماكتب على " كاريكتيره " أنها عصرية وتقدر سعة خزانها المائي ب 200 متر مكعب ، ليتبين لاحقا أن مادشن لم يمسك إلا كما يمسك الماء الغرابيل .... وبقي السكان في صراع مع الحر والعطش .... ، تلك حلقة من مسلسل مدينة يعيش سكانها تحت خط المعاناة التي رسمت طريقها في حياتهم اليومية وأصبحت جزءا من المطالب والآمال غير المشروعة في خضم تجاذبات سياسية متوترة ، ربما تشذ بقواعد اللعبة الإنتخابية ( التشريعية والنيابية والرئاسية ) المقبلة ، لأن سكان شكار ولبراكنة عموما وجمهور الموريتانيين في وسط البلاد يرون أن أي استحقاقات لم يتصدرها من هم في الحقيقة عتبة باب المشهد في المدينة ، ولد ببكر وولد محمد فال فهي نشاز لن تغفره العلاقة مع كهف النظام المهجور .
إنها عقود من الحرمان أجبرت المواطن في شگار على القطيعة مع مسيرة التدافع وعدم جندية الساسة أو الأغلبية الصامتة ، مفضلا الخروج من انسداد سياسي تضيق زاويته ويختلف طرحه في كل مرة يصعد فيها سياسيو " المناسبات " الأشاوس سفح جبله الذي منه ينادى على كتائب الغزو المادي أن اقتسمو الغنائم والزموا ربع عزة " استحواذا " واضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان .... إذا ! فمتى سنراجع ونعيد قراءة تاريخ السياسة والساسة في شكار حتى لاتضيع هدايانا المجانية لنظام بدأ مناوئوه يسحبون بساط غطاء المنافسة " الشكلية " بغية تصحيح معترك تتسم مناوراته بنوع من التصارع مقابل المصلحة تحت طاولة مايمكن أن نسميه " التحايل من أجل إمساك عصى اللعبة وامتلاك النجومية " في بلدية تنتاب سياسييها فجوة انفصالية يخشى أن تقطعها عن ركب الموالاة ؟؟ فاتقوا الله يرحمكم الله في شراء ذمم ( بطاقات تعريف ) المواطن المسكين ، واسقوه جرعة ماء فإن الله عليم بذات الصدور .
محمدالمصطفى الولي أستاذ وكاتب صحفي