أغشوركيت ( عين على المواطن ) : على بعد نحو7 كيلومترات شمال مدينة مكطع لحجار بولاية لبراكنة وسط موريتانيا ، تنام قرية " التاشوط " وبناتها الصغيرات " أكادير " والبقيع " وغيرهما من الأحياء الواقعة على قارعة طريق الأمل ( الطريق الرئيسي ) الرابط بين عاصمة البلاد وولاياتها الداخلية .
في الجانب الأيمن لسالكي الطريق شرقا تلا قي المسافر أكواخ متهالكة تهز جوانبها عواصف رملية هوجاء ، كما توجد لوحات بها نقوش من الطلاء المختلط الألوان على شكل " لافتات " تلفت أنظار الرائي إلى تلك الشجرة التي تحولت يوما من الأيام إلى ورشة عمل تسمى " تعاونية نصر من الله " للصناعة التقليدية والزراعة بقرية التاشوط ، وبالرغم من واقع الشجرة الملفت وشموخها في انفراد ، إلا أن عنوان الورشة يعطي دلالة لايمكن أن تنصرف عنها حاسة التأمل لدى المشاهد ، إذ العنوان يعكس واقع مجتمع يحلم بالانتصار والتغلب على كوابيس الحياة التي يتنفس إعصارها من خلال جهاز أكسجين التهميش والحرمان .
في وهج هذا الواقع يرتمي عاملون في مجال الصناعة التقليدية ، في أحضان هذه الورشة الواقفة ، ويستظلون بظلها الوارف بالدفء والعمالة ، فهي فرصة عمل وسوق تجارية نبتت أغصانها في قلوبهم ، باتوا يتنفسون نسيم ثمارها ويقبلون جذعها في فجركل صباح إحسانا وحتى لاتأ خذه القلوب الحالمة في مساكنها المسقفة ، أويعترض المسافرون أسراب الطيور التي تمر مع إشراقة كل صباح إلى جهة الجالسين في ظل الشجرة " ورشة العمل " التي تغازل الأمل وتحث جلاسها على ضرورة البوح بنغم الجمال والحنان الذي يفيض بنهر الخلود في يوميات اللقاء .
الصناع التقليديون ....معاناة وصلت حد التعلق بالأشجار
من عنوان الورشة يتضح جابب من العوز الذي طالما ألقى بعذاباته على فئة من أهم شرائج المجتمع ، وليس القاطنون في هذه القرى استثناء من القاعدة المتمثلة في النظرة الدونية التي يعامل بها المجتمع الصناع التقليديين أو "لمعلمين" كما يعرف محليا في موريتانيا ، وهي ثقافة اعتبرها نشطاء مدنيون وحقوقيون مدافعون عن حقوق الشريحة بأنها نوع من "الاحتقار المعنوي"، خلفه تراكم أخطاء الموروث الطبقي الذي يصنف المجتمع إلى فئات وطبقات متسلسلة الرتبة والمكانة .
في مكطع لحجار ، لايختلف الحال كثيرا ، بل إنه أسوء من ناحية الظروف الحياتية ، حيث يستند الصناع التقليديون في المدينة إلى الماضي ويحافظون بكل فخر على الشعور بالانتماء إلى مهنتهم التي ورثوها عن الأجداد ، أولئك الغابرون الذين امتهنوا الصناعة اليدوية وبرعوا فيها وأبدعوا حد الاختراع ، حتى أصبح لموريتانيا لونها وميزتها الخاصة في مجال التصنيع والحرف اليدوية .
في صباح كل يوم يتجه أغلب رجال قرية " التاشوط " إلى ورشتهم المتواضعة والمختلفة أيضا ، فهي الإطار النابض بالحياة والوظيفة الوحيدة التي تتشكل محتوياتها من أتون صغيرة لمعالجة الأواني والآلات الحديدية بالحرارة ومطرقة وسندان من الفولاذ ، وبعض قطع الحديد والخشب والفحم و بقايا المواد التي تستخدم في تصنيع الجلود والمقتنيات الأخرى ..
العاملون بورشة " الشجرة " لايحلمون بغير الحصول على مداخيل بسيطة تمكنهم من العيش الكريم والصرف على أسرهم ، شأنهم في ذلك شأن المئات من الطبقات الهشة في موريتانيا ، فرغم دورهم الرائد في الأداء الاقتصادي كمجموعة حرفية ساهمت ولا تزال في إنعاش الاقتصاد الوطني ، فقد ظلت هذه الشريحة لعقود من الزمن وحتى اليوم عرضة لثقافة تعمل على تجاوزها و إهانتها وتهميشها حد الإزدراء .
عوامل جمة جعلت صناع مكطع لحجار يتعلقون بالأشجار، ويجعلون منها مصدر رزق لتأمين حياتهم ومستقبلهم ، بعد أن فقدوا الثقة في دولتهم التي لم تساعدهم في توفير التجهيزات أوتذليل صعوبة الحصول على التمويل في ظل غياب أسواق تستوعب الكم الهائل من الصناعات المتفتقة عنها جذوة أيادي محلية تتقد إبداعا ، فضلا عن غياب التوظيف والرعاية والتكوين ، الأمر الذي ولد لديهم شعورا بضياع الأمل وإحساسا بمستقبل البؤس ألامتناهي .
لمعلمين ....مواطنون بلا أراضي
أغلب الصناع التقليديين يقطنون في مساكن مؤقتة مصنوعة من الخشب والصفائح المعدنية ، أما متاجرهم وأماكن عملهم فهي عبارة عن أكواخ ومساحات عمومية يضايقون فيها بين الفينة والأخرى .
في حديثها عن الظلم تتأرجح العبرات في عيون جماعة لمعلمين ، حين يعود بهم الحديث إلى رواية تفاصيل ماعاشت على وقعه مدينة مكطع لحجار في الفترة الماضية ، من احتقان شديد داخل صفوف مواطنين كانوا يستغلون مساحة قليلة من سوح المستوصف القديم الواقعة ضمن السوق المركزي للمدينة ، قبل أن يأمر حاكم المقاطعة المغادر وحدة من الحرس بالتدخل من أجل إخلائها بطريقة تشبه في أبعادها التعاملية القبض على عصابة لصوص ، حيث تم التلاعب بمعداتهم وممتلكاتهم ، ومنح أراضيهم التي كانوا يسكنون لأحد التجار المتنفذين حسب قولهم .
ويضيفون : " تقدمنا بالعديد من التظلمات لدى السلطات الإدارية المحلية ممثلة في الحاكم يومها ، إلا أن مجموعة الصناع التقليديين ظلت محرومة حتى من عرض منتوجاتها في الشارع لأنهم مواطنون لكن لاحق لهم في الحصول على الأراضي- يقول لسان حال هؤلاء .
وقالت المجموعة بأن ظلم الحاكم : محمد سالم ولد الناجي ، لها لايمكن أن يقع إلا بتمالئ من المنتخبين المحليين الذين هم قادرون على رفع الظلم عنهم طبقا لقواعد الحق والقانون القائم على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات .
مشاكل المياه ......وأخواتها
معاناة سكان قرية " التاشوط " والأحياء المجاورة لا حدود لها ، فسكان القرية يطالبون السلطات العمومية ، ورئيس الجمهورية ووزارة المياه والصرف الصحي بالعمل على توفير المياه في أسرع وقت ، فهم يعانون من قلة الماء ، ومنذ عقود من الزمن وهم يعتمدون على مياه الآبار السطحية مع نضوبة مياهها وما تحتويه من مكروبات وجراثيم أصبحت تهدد صحتهم ، حيث بدأو يعانون من أمراض الضغط والكلى والمرارة والإسهالات بالاضافة الى التهابات الفم والأسنان نتيجة ثلوث المياه .
لارباس ولد لفقير متحدث باسم قرية " أكادير " يحكي قصة معاناة يتجرعها السكان منذ سنوات ، في معركة جلب المياه من الأماكن البعيدة ، في الوقت الذي شهدت القريات المجاورة إنشاء نقاط مياه من طرف الدولة وبقيت قراهم مهملة من طرف الحكومة لا نقطة مياه بها، ولاشربة ماء يزيل بها الغصان اعتصاره .
ثلاثة ملايين جهود خاصة ....عجزت عن توفير ماء الوضوء
يتابع لارباس حديثه قائلا : " بالرغم من شح إمكانياتنا الخاصة ، لم يحل ذلك دون أن أنفق ثلاثة ملايين أوقية قديمة ( 7600 دولار ) من أجل توفير المياه ووجود حنفيات لا نستطيع أن نتوضأ منها لعدم وجود الماء " .
ويضيف : " قرانا ظلت محرومة من حقوقها المشرووعة لاتجد منها إلا المواعيد الخاوية على عروشها ، لذا نناشد رئيس الجمهورية بالتدخل في قضية سقاية هذه القرى التي أصبحت مشكلة العطش فيها تأرق الساكنة على مدى ردح من الزمن ، بل إنها بدأت تشهد هجرة نتيجة العطش .
فنرجوا من الرئيس أن يتدخل بشكل عاجل ونحن على يقين يقول –لارباس - أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لن يترك أحدا من مواطنيه على قارعة الطريق ظمآنا أحرى قرى بكاملها .
مطالب السكان لم تقتصر على حل مشكل المياه فحسب ، بل إنها تجاوزته إلى توفير أخواتها من الصحة والتعليم والمواد الغذائية ، وكذا علف الحيوان الذي يقولون بأنهم يسمعون بمجيئه لكنهم لم يستفيدوا منه طيلة سنوات الجفاف الماضية .
منتخبون ....... خارج الاهتمام
خلال إعدادنا للتقرير حاولنا الاتصال بكل من عمدة بلدية مقطع لحجار باب ولد المصطفى ، والنائب عن المقاطعة أبو المعالي ولد منان ، إلا أننا لم نحصل منهما على أي معلومات بخصوص موضوع مطالب السكان .
ويتخوف المواطنون من أن يزداد الوضع قتامة في مساعدات الدولة الأخيرة للمنمين ، وتبقى ثروتهم الحيوانية بين سندان الجفاف ومطرقة حيف المنتخبين في توزيع كميات العلف مدعومة السعر من طرف الدولة .
كما يطالب سكان هذه القرى وخصوصا الصناع التقليديون الحكومة والمنتخبين بإنصافهم فيما يتعرضون له مما وصفوه "تهميشا وإقصاء ممنهجاً من طرف من " يسعون إلى الصعود على أكتافهم واستغلالهم والمتاجرة بجهودهم السياسية ، في الوقت الذي لايشاركونهم في لحظات
الفرح والألم الخاصة بهم ، إلى غير ذلك من المطالب التنموية والاقتصادية التي تتطلب الأخذ بعين الاعتبار والعمل على تحويل بوصلة واقع حياة المواطنين الحبلى بالصعوبات والمتاعب .
مكطع لحجار - لبراكنة
الولي عبد الله لمؤسسة أغشوركيت الإعلامية