أغشوركيت ( مقالات ) : يقول أحدهم. ...
في يوم من الأيام ولدت قصة حب بين شاب وبنت كان ذلك في مدينة نواكشوط وتحديدا في مقاطعة عرفات ، تعرفت البنت على شاب ، وكان الشاب من سكان إحدى المدن الداخلية
وهناك بدأت علاقتهما ، رحلتها في مدائن الحب ، صداقة مفعمة بالإعجاب والاحترام ، وهو الأمر الذي عجّل بتغيير مسار هذه الصداقة ، وحولها إلى حب صادق دون أن يدركا المحب والمحبوبة كيف حدث ذلك بهذه السرعة الفائقة ،
كانت الفتاة مقتنعة بصعوبة عقلية المجتمع والمحيط الذي نشأت فيه ولكن لم تتوقع يوما أنه يصل إلى ذلك الحد من القساوة في الأحكام المسبقة و القرارات الغير قابلة للنقاش والتي طالما وقفت عائقا أمام الكثير مما تطمح إليه في حياتها من تعليم و وظيفة ، و لم يكن الشاب مطلعا على البعد الاجتماعي الذي تنتمي إليه البنت ، كانت على عيونه غشاوة من شدة حبه لها وقوة انجذابه إليها . الشيئ الذي أعماه عن الكثير من وجعه المتعلق بتلك الفتاة التي تعلق بها حد المجنون وهي لا تمت له بأي صلة قرابة ولا ينتميان إلى نفس الجهة حتى ، كان الاختلاف جليا بين الأسرتين ولكن الحب بين البنت والولد يتجاوز تلك الفوارق الضيقة . لقد عانا من ويلات التخلف السائد في المجتمع وهم في بداية التفكير ببناء حياتهما الاجتماعية ، ففي اللحظة التي كان يختبر فيها بناء مشروع زواجهما،
امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم (يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنّه له وِجاءٌ)
فصارح أهله وقبلوا فورا تلبية لرغبة ابنهم الذي أكمل دراسته الجامعية وهو يتأمل ويفكر في هذه الفتاة التي يكن لها كل الحب والتقدير ، وهي تقاسمه نفس الشعور ، وفي نفس اليوم تحدثت هي مع أمها بكل صراحة وقالت لها أن في حياتها شاب يريد أن يتقدم لأهلها يطلب يدها
فقبلت الأم لأنها كانت على علم بكل ما يختلج في صدر ابنتها والتي كانت بالنسبة لها صديقة ورفيقة تحدثها عن مشاعرها وأحزانها وأفراحها ، بل كانت الأم تقرأ من ملامح وجه ابنتها الوحيدة كل شيء حتى ولو لم تنطق ببنت شفة،
وتقدم الفتى يطلب يدها للزواج ولكن ردة فعل الأهل : الأب والأعمام كانت الرفض بكل قساوة، وهنا كان الألم موجع
لم يكونا قادرين على استيعاب السبب في نهاية أحداث تلك القصة البريئة الممتدة على مدار سنوات طويلة مما سبب تضاعف حزنهما و ألمهما فجأة، وتلاشي حلم زواجهما قبل أن يكتمل ويرى النور .
كانا يحتاجان إلى قوة تعيدهما إلى صوابهما في اللحظة التي بدأت الأحلام تتبخر أمام عينيهما، كيف لعلاقة دامت كل هذه الفترة وعندما يكتب لها أن تتجسد في بناء أسرة يقف أهلها ضد ذلك لا لشيء سوى أن الشاب من قبائل بني مغفر والبنت من إحدى قبائل الزوايا ، تلك الفوارق التي نسجها المجتمع من خياله المريض مما زاد الفتى إصرارا على الزواج بالفتاة وعاد وتقدم لها ثانية ولكن والدها قال لأمها بالحرف الواحد : " ابنتك إذا تزوجت من ذلك الشاب لن أسامحها مدى الحياة و سأحذفها من قائمة أبنائي وهو ما جعل البنت تتحمل ما يجري رغما عنها. كل تلك القسوة التي تتلقاها من أقرب الناس إليها، من الأب الذي تركها رضيعة بين أحضان والدتها ولم تلتقي به إلا حين أصبحت فتاة في مقتبل العمر ، ذلك الأب الذي تلتقي به عند كل مناسبة عائلية مثله مثل جميع أبناء عمومتها وهو ما يزيد ألمها ألما ، و مع ذلك يطلب منها أن تمحي الفتى من ذاكرتها و كيف ذلك وهو الذي تغلغل حبه في وجدانها و عمق إلى حد يصعب أن يُنسى بهذه السهولة . إنه يحتاج إلى قرون
وهما يحتاجان الكثير من الوقت ليعيدا البناء و الترميم لحكايتهما من جديد.
الحلم تبعثر والأحلام ذرت في مهب الريح بالنسبة لهما بعد أن مات جزء كبير منها في لمح البصر ، بحرف " لا" التي سيظل تأثير صداه واضحا على مجريات حياتهما حتى ولو طالت الأيام والسنون .
بعد ذلك ، قرر الشاب و الفتاة أن يواصلا المسير في تلك العلاقة التي لا أمل لها في النجاح و نهاية حبهما وخيمة لأنه لن يتوج بزواج سعيد ، ولكن الفتى عنيد بإصراره على التمسك بها ،كيف لا وهو الذي أمضى سنين دراسته الطويلة في الغربة يرسم خطط حياته معها وفي النهاية يقف عاجزا عن فهم الموضوع ، شاب في ريعان شبابه من أكبر القبائل العربية فخرا ومجدا تليدا ، مثقف ويحبها بجنون ، كيف يرفضونه . و الله سبحانه وتعالى أمر على لسان نبيّه محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام بإعانة السّاعي للزواج ، فجاء في الحديث الشريف : (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ -تعالى- عونُهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ ، والمكاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ ، والناكحُ الذي يريدُ العَفافَ) حيرة وتعجب !
لا تستغرب أيها الفتى فهذا قليل من كثير ،إنه مجتمع مريض بالعقلية التي تبرر كل شيء حتى ولو كان خارج نطاق الشرع ، العلاقات شيء عادي بل إن بعضهم يتباهى بها بكل غطرسة و جنون ، عبارات أمقتها لأن الجبين يندى لها قبل أن تهشم الأنوف والضلوع لمن يفقه القول ويخشى من يوم العذاب الأليم (افلان اجيها افلان )أو (أو افلان كاعد عنده افلان) أو (أو افلان ساميه افلان)تختلف العبارة ويتحد الهدف والمضمون ولكن ما استغربه أن يكون هذا النوع من العلاقات مشروع في المجتمع وعلى مرأى ومسمع من الجميع
وعندما يصل إلى مطلب مشروع هو الزواج يقف الجميع ضده ، أين الرجولة في مجتمع كهذا وأين قيمة المرأة وعفتها في مجتمع متدين ؟؟ و أين رأي الأم التي ربت وكبرت وعلمت وسهرت الليالي ؟؟ أليست لها كلمة أو رأي في اختيار من يشارك ابنتها حياتها الزوجية دون تدخل من الجميع ؟؟
يرفض لسبب لا علاقة له بأركان وشروط الشروط الصحيح والكفالة الزوجية ،إنه خلل كبير في نسيج مجتمع يعلم ويتعلم و يرتل القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار ويعلم علم اليقين ما حرم الشرع وأباح مما هو مبين في محكم التنزيل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك تبقى القرارات المصيرية فيه تتبع لضوابط لا علاقة لها بالشرع وهو ما يجعل الأجيال في ضياع مطبق من تشويش وتعقيد والعراقيل و الشروط و التكاليف تتضاعف عندما يقررون الزواج على سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقتها تتعقد حكايتهما وتختلق روايات وخرافات نسجت من الخيال القابع في ظلام مظلم مليئ بالوحل ... إنه عذر غير مقبول إنه الانحراف نحو الأسوإ بعيد عن تحقيق الشعور بالسّكن والأُنس بين الزوجين؛ وذلك لحاجة الإنسان الشديدة إليهما امتثالا لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)صدق الله العظيم
إلى متى سيبقى الزواج يمنع بين القبائل والعشائر ونحن في القرن العشرين وعلى أبواب الواحد والعشرين. ونحن لا نزال للأسف الشديد في صراع مطبق اختلق بين السيف واللوح والقلم مع أن جل عشائرنا حازتهم بجدارة بين الأمم.
ومما يزيد الطين بلة أن البنت والولد ينصاعان إلى بقاء تلك العلاقة في انتظار الأيام القادمة لعلها تغير عقلية تجذرت في المجتمع وحان الوقت لاندثارها في طيات الزمن.
إنه الحب الضائع الذي لم يبق منه سوى ما هو راسخ في القلوب لا تزيله عاديات الزمن .
متى يدرك المجتمع أن المرأة لا تعني الجسد ؟ فهي روح وإنسان في الحقيقة مهما توهموا أنها سلعة تباع لمن يدفع الثمن، والأقربون أولى حتى ولو طال انتظارهم و لو بلغت من العمر مابلغت ، فلتنتظر أن يتكرم أحدهم ويتقدم لها لينقذها من دائرة العنوسة الوشيكة المليئة بالخطر ،إنه مجتمع عفن يقبل التصابي ولا يقبل الزواج، أي شريعة هذه يادعاة القيم ؟ يامن أباؤكم أسسوا امبراطورية ورباطا وجهادا و ذاع صيتهم بين الأمم
ممتثلين قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)صدق الله العظيم
و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
عرفات 2020/07/17
مريم سيدي ولد احميده