خواطر حول الرئيس الراحل سيدي محمد الشيخ عبد الله | أغشوركيت

خواطر حول الرئيس الراحل سيدي محمد الشيخ عبد الله

خميس, 17/12/2020 - 13:06

 

تقاسمتُ مقاعد الدراسة مطلعَ السبعينات 1972-1975 مع أخي محمدْ بن معروف بن الشيخ عبد الله وكنا نتبادل الزيارات المنزلية لمراجعة دروسنا في إعدادية البنين حديثة النشأة .. كان حينئذ يسكن في منزل الوزير سيدي بن الشيخ عبد الله في منزل حكومي "راقٍ جدا " يقع غربيَّ إدارة العقارات على حافة الطريق الذي يمر جنوبها شمالَ فئة ابلوكاتْ التي تأوي حاليا بعض المكاتب الإدارية من ضمنها وزارات التهذيب والصحة والوظيفة العمومية ..وتشاء الأقدار أن يعين محمد أمينًا عامًا لوزارة الداخلية و أن أنال باقتراح منه في 16 يناير 1991 أول "ترقية "في حياتي المهنية من منصب والٍ مساعدٍ في كيفه في ولاية لعْصابه إلى منصب حاكم لمقاطعة كيهيدي في ولاية گورگول ..

 

 

و خلالَ شطر من سنتيْ 1975 - 1976، عملت محررًا مترجمًا تحت إمرة الكاتب الصحفي خريج الجامعات الجزائرية : محمد بن الشيخ عبد الله في جريدة الشعب اليومية الناشئة التابعة للشركة الوطنية للصحافة بعيد إنشائها إذ كان آنذاك السكرتير العام للتحرير في الطبعة العربية من الجريدة التي يرأس تحريرها خليلنا المشترك الأستاذ الخليل النحوي ..وتشاء الأقدار أن نلتقيَ لاحقا في نهاية سنة 1991 و بداية سنة 1992 في ألاگْ في ولاية لبراكنه وكلانا يحمل صفة مغايرة .. كنتُ حاكم المقاطعة و كان هو الشيخ المربي خليفة والده في حضرة لمدن المحروسة التابعة لبلدية أغشورگيت التي هي إحدى البلديات "الريفية " التابعة لمقاطعة ألاگْ .

 

 

وخلال تلك الفترة التي لم تبلغ السنةَ تتابعتْ الأحداث بسرعة مذهلة فجاءت الدورةُ الانتخابات بالاقتراع الرئاسي ثم البلدي ثم البرلماني قبل أن يختتم بانتخاب شيخ المقاطعة الأمير اهميْمد ولد بوبكر تغمده الله برحمته الواسعة ..

 

 

أدركتُ الشيخ المصطفى بن الشيخ عبد الله رحمه الله واجهةً سياسية و اجتماعية لمدينة لمدن بل للحضرة الإبراهيمية التيجانية في عموم المنطقة .وبموجب ذلك أشرفت معه على افتتاح آخر نسخة من ذلك المهرجان الثقافي العجيب الذي كان ينظم سنويا في تلك الحاضرة والذي لا آسف على شيء مثل أسفي على انقطاعه .. و لا يزال عالقًا بذهني حتى الآن حادثة ذات دلالة خاصة رواها في خطابه الافتتاحي للاستدلال على عطف و رحمة الشيخ عبد الله رضي الله عنه حتى بالبهائم ،  مفادها أن مهاةً مهداةً لأحد الْأطفال ذهبت في الفلاءِ فكثر صياح رضيعها حنينًا عليها فرق له الشيخ و ذهب بنفسه يبحث عنها حتى عاد بها و جعله في حضنها زوال يوم ذي حرٍّ مشهود .

 

 

وخلال المرحلة الانتقالية الأولى 2006-2007 كنت مدير التشريع و الترجمة و التوثيق في وزارة الداخلية وبموجب ذلك انتدبني معالي وزير الداخلية آنذاك محمد أحمد ولد محمد الأمين عضواً في اللجنة الفنية التابعة للجنة الوزارية المكلفة بالمرحلة الانتقالية التي يرأسها بجدارة لا أعرف لها مثيلا معالي الوزير الأمين العام للرآسة حبيب ولد همتْ .. وجرى تنظيم حوار وطني توزع فيه المشاركون إلى ورشات وكنت ضمن الطاقم الفني المشرف على ورشة الانتخابات بصفتي رئيس اللجنة الفرعية المكلفة بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات .. وكان يرأس تلك الورشة فخامة الرئيس اللاحق سيدي ولد الشيخ عبد الله و يتولى مسؤولية المقرر معالي وزير التعليم العالي حاليًا السيد سيدي ولد سالم الذي كانت لديه لازمة كثيرا ما يذكر بها المشاركين قبلُ أي تدخل فيقول :" إن صفتي مقررا لا تحرمني الحق في ابداء رأيي في الموضوع !".

 

 

 

و إبتداءً من سنة 2008 جاورت في حي افْ نور في تفرغ زين نعم الجار حواء بنت الشيخ ابراهيم أنياس ارملة الشيخ عبد الله التي كانت ولا تزال ملتقى مريدي أبيها عموما ولكنها قبل ذلك وفوق ذلك ملتقى اسرتها الخاصة أسرة أهل الشيخ عبد الله.

 

 

ففي كنف حواء انياس كان يلتقي هؤلاء جميعًا بدون استثناء .. و في كنف الشيخة ألامِّ عرفت بقية أفراد الأسرة فاعجبتُ حد الانبهار بالأخلاق الرفيعة لهذه الأسرة وسلوكها المتميز ..تلك الأخلاق المتطابقة في أول من عرفت منهم  و آخر من لقيت منهم ولو بصفة عابرة .. ان الأخلاق هي طابعهم المميز ..و كأن هؤلاء يحملون في جيناتهم خاصية الطيبة والرحمة والحلم والأناة .. يبديها كل واحد منهم بحجم علاقاته مع الناس.و لذلك كان نصيب الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله من ذلك أكثر من غيره ..لأن الرأي العام عرفه من خلال وظائف متعددة سامية متلاحقة في الداخل والخارج تمامًا كما عرفه خلال تعامله العفوي مع اصعب محنة قد يتعرض لها رئيس منتخب في حياته .ان اخلاقه ثوابت راسخة لا تتغير أينما حل وحيثما ارتحل  مهما تبدلت الأحوال .. وسأختم بآيتين عجيبتيْن رويتهما عن الشيخة حواء بنت الشيخ ابراهيمْ راوية عن الرئيس الراحل مباشرة .. أولاهما في بداية رآسته و الثانية في نهاية رآسته .. تمثل أولاهما اكبر دليل على قوة إيمانه بالله و ادراكه لحجم الأمانة الرئاسية و تنبئ الثانية عن سلامة صدره و حسن طويته .. قالت انه قال لهم مرة : " ما عرفت في حياتي فزعاً اكبر من ذلك الذي احدثته في نفسي تلك الزغاريد التي اطلقتها عاملة المنزل فلانة فرحاً بنجاحي في الانتخابات الرئاسية 2007! بادرت فقرأت سورة يس أربعين مرة ملتجئا لله الملك القهار  أن يكفيني شر تلك المسؤولية ! وما سعدت في حياتي سعادة بحجم تلك التي غمرتني وانا أغط في نوم عميق كنت في أمس الحاجة اليه بعيد اعتقالي في مبنى الحرس الرئاسي ..وروت عنه في الثانية انهم عقدوا حوله حلقةً أسرية في لمْدن  بعد إطلاق سراحه  .. وضمن الحلقة زوجته ختُّ .. وأخذ يحدثهم عن ظروف اعتقاله .. قالت حواء فقلت ملاطفةً له ولزوجته : بلغني ان محمد ولد عبد العزيز قال ان له عليك منةً كبيرة ، اذ هذه اول مرة تقبل فيها ختُّ المجيء طواعيةً الى حاضرة لمدنْ ! فطفقتْ ختُّ تردُّ على ذلك الكلام .. فاعترض عليها سيدي قائلا باللهجة الحسانية :" ختُّ اصَّ إخليك لي خلِّينَ نظحكُ من شِ إظحكْ "!!رحمك  الله أيها الرئيس المؤمن ناصع الجيب طيب الطوية .. سلالة الصالحين و العلماء .. وعزاؤنا إلى أسرته الخاصة و الى ذويه و جميع الموريتانيين ..

رحم الله السلف وبارك في الخلف .

 

الإداري : محمدن ولد سيدي الملقب " بدن "