أغشوركيت ( شخصيات ) : بعد أربعة وسبعين عاما قضاها معتزلا الأضواء ناذرا نفسه لخدمة قضايا وطنه وأمته ، رحل بصمت رائد مدرسة الإعلام في موريتانيا الدكتور: محمد حبيب الله ولد عبدو" ابي " رحمه الله تعالى ، مخلفا سفرا من الأمجاد لم يعن المجتمع الوطني بالاعتناء به ، رغم الفراغ الكبير الذي خلفه في نفوس الأحبة والرفاق .
مساء الأحد 27 دجمبر/ كانون الثاني 2020 ، كانت العاصمة نواكشوط على موعد مع تشجيع جثمان تزاحمت إثر رفعها المشاعر والأحاسيس والذكريات ، وبثت الحزن إثر ذيوع خبر وفاة أحد الرموز الوطنية التي ساهمت وكان لها دور مؤثر وكبير في إرساء كيان الدولة الحديثة ، تاركاً إرثاً كبيراً وبصمات عظيمة في جميع المواقع التي توقف عندها في مسيرته الزاخرة بالعطاء في خدمة الوطن والمواطن.
الأوفياء يرحلون بأجسادهم لتبقى أعمالهم تتحدث عنهم ، فالمغفور له بإذن الله تعالى شكل مدرسة من الفضيلة في مختلف المواقع التي عمل بها، لما عرف عنه من شغف وحب لكل ما يرمز للوطن ولقضاياه العادلة ، فقد كانت بصماته حاضرة في الكثير من المواقع السياسية والثقافية والإصلاحات المهنية .
يعد الراحل من الرعيل الأول من الإعلاميين ، ومن أوائل الدارسين للإعلام في موريتانيا الذين برزوا وأبدعوا في العمل الصحفي مع بدايات قيام الدولة المعاصرة ، وإن سيرته المهنية والشخصية طوال مسيرته المهنية وعطائه وخبرته في مجال الإعلام جعلته يحظى باحترام وتقدير الجميع.
ولد محمد حبيب الله 1946 في مدينة ألاك عاصمة ولاية لبراكنة حاليا ( تعتبر من المدن القديمة التي شكلت إحدى مراكز الإشعاع العلمي و الحضاري و التاريخي للبلاد ) وفيها بدأ رحلته التعليمية التي استهلها بحفظ القرءان الكريم وهو مازال يافعا ، كما درس فيها العلوم الشرعية واللغوية على غرار ما يدرسه لداته وأقرانه ، لينهي فيها مرحلة الابتدائية عام 1960 ، في حين تلقى مرحلتي الإعدادية والثانوية في نواكشوط 1967 .
وقد واصل الراحل تعليمه حتى تخرج من المعهد الفرنسي للصحافة والإعلام بباريس ( I.F.P- 1971 ) " وكذا مركز تدريب الصحافة في باريس(C.F.J 1970 ) ، ليحصل بعد ذلك على دكتورا في الإعلام من جامعة قانون الإقتصاد والعلوم الإجتماعية بباريس- فرنسا 1975.
أكثر من ثلاثة عقود، كان الهم الأبرز لمحمد حبيب الله وعدد من المثقفين الموريتانيين هو اعتماد العربية لغة رسمية للبلاد وهو ما تحقّق عام 1991، لكن هذا الاستحقاق بقي شكلياً إلى حد بعيد ، وظلّت المطالب ذاتها باستخدام اللغة العربية في المناهج الدراسية والمعاملات الرسمية قائمة إلى اليوم ، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة لما تنص عليه المادة السادسة من الدستور الموريتاني .
ساهم محمد حبيب الله ولد عبدو ، بقوة في دفع حركة النضال من أجل التعريب عبر مجلة “موريتانيا الفتاة” التي أطلقها مع كوكبة من أقرانه ورفاقه : ( سيدي محمد سميدع ، المصطفى ولد الشيخ محمدو، يحي ولد عمر، ممّد ولد أحمد، ، محمد المختار ولد الزامل، سيدي محمد ولد ابنيجاره ) ، وقيادتهم لإضراب 9 فبراير ضد حركة رفض تدريس اللغة العربية في المدارس، التي كانت ترعاها وتوجهها السفارة الفرنسية في موريتانيا ؛ كما ساهم في قيادة حركة التنديد بالعدوان الإسرائيلي الأمريكي البريطاني على العرب سنة 1967 وقطع العلاقات الموريتانية الأمريكية والبريطانية؛ وكذلك في وضع اللبنات الأولى للحركة الوطنية الديمقراطية، وذلك عن طريق الانتقال بحركة القوميين العرب – التي كان من قادتها- إلى نبذ العنصرية والقومية الشوفينية وتبني الفكر الوطني الديمقراطي، وذلك خلال مؤتمري تاكوماجي (68) وكيفه (69) .
كان " ابي " الخيط الناظم للقوى الحية التي شكلها الرفاق في سبيل الدفاع عن قضايا الهوية والوطن أيام تأسيسهم حركة وطنية قوية تناضل عن المواطن وثوابت الأمة وثقافتها في مواجهة تيار التغريب يومها .
المسار المهني والإداري
- أمين عام لوزارة الإعلام 1994 - 1990
- مراقب إداري ومالي في نفس الوزارة 1987-1990
- مديرا للسمعيات والبصريات 1984-1987
- مدير عام للمؤسسة الموريتانية للصحافة والطباعة 1983-1984 .
- مدير عام للإذاعة الموريتانية والمشاريع التلفزية 1980-1983
- قطاع الإعلام 1977-1978
- مستشار بوزارة الإعلام 1976-1977
- سكرتير التحرير ليومية "الشعب" في انطلاقتها 1975.
التدريبات العملية
- صحيفة "المجاهد" بالجزائر 1975
- وكالة فرانس ميديا (A.F.P) 1974
- صحيفة "مساء فرنسا" في باريس 1973
- صحيفة " المحيط " في نانتس_ فرنسا 1969
- إدارة المحفوظات في أرشيف المجموعة الإقتصادية الأوروبية (C.E.E) في لوكسمبورغ 1968 .
مناصب سياسية وإدارية أخرى تقلدها :
- عضو في برلمان "الشورى" للمغرب العربي1987-1991
- مستشار بلدي لبلدية نواكشوط 1986-1991
- رئيس هيئة نظافة مدينة نواكشوط 1988-1991
- عضو مجلس إدارة مكتب البريد والإتصالات(O.P.T) 1984-1987
- عضو مجلس إدارة الشركة الموريتانية للإنشاءات وإدارة العقارات(SOCOGIM) 1981-1984
- مدير مجلس إدارة أول وكالة أنباء موريتانية 1978-1981
- رئيس مجلس إصلاح قطاع المعلومات 1979 .
- مسؤول عن تدريب أول دفعة للصحفيين المحترفين بنواكشوط 1976-1979.
تقاعد الراحل بعد عمر كرسه لخدمة بلده ، وكان عاكفا على تأليف كتاب حول حركة المرابطون ( موريتانيا عبر التاريخ البشري ) في آ خر حياته التي قضاها بين منزله والمسجد.
وبرحيله ينهار أحد جدران الذاكرة الوطنية التي لم تحظ بالكثير من التكريم من جهات إعلامية وسياسية وثقافية عديدة في الدولة على إنجازاته وتاريخه المهني الحافل .
وبهذه المناسبة الحزينة تنعي مؤسسة موقع أغشوركيت انفو ، إدارة وعمالا الراحل ، وتتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة إلى أسرة الفقيد ولزملائه ورفاقه ، سائلين الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته... وانا لله وانا إليه راجعون.