ما إن أنهى ساكنة ألاگ صوم رمضان سنة 1377هـ حتى بدأوا يستعدون لاستقبال الوفود الموريتانية، فلم يكن بين نهاية رمضان تلك السنة وبداية وصول المؤتمِرين إلا أسبوع واحد . فكأن مدينة ألاگ وساكنتها، بل وساكنة منطقة البراكنة ، كتب عليهم في ذلك الشهر أن يعيشوا أجواء الأعياد الدينية والوطنية معا .
لم يكن صدفة أن تستضيف هذه المنطقة سنة 1958 مؤتمر ألاگ الشهير الذي بدأ التفكير فيه والدعوة له منذ يناير من نفس السنة. كرس مؤتمر ألاگ نشأة الدولة الموريتانية الحديثة على أساس الوحدة التي جسدها التفاهم بين المكونات والتعاضد بين الشركاء، وتم ذلك في جو كانت التحديات الكبرى تعصف وتشتد والمعوقات الكثيرة تبرق وترعد. لم يكن من الصدفة اختيار مدينة ألاگ لاستقطاب خمسة آلاف موريتاني يتوقون إلى بناء وضع أسس دولتهم الوليدة في جو إقليمي غير موات وفي إطار دولي غير ملائم. كان اختيار منطقة البراكنة ومدينة ألاگ بشكل خاص في تلك السنة أمرا موفقا .
كان السيد معروف ولد الشيخ عبد الله أولَ من بادر بقبول استضافة مدينته ألاگ لهذه الفعالية وقد وافقت اللجنة التحضيرية على ذلك، بل وتكفلت مجموعته القبلية إديچبَه بجميع تكاليف الاستقبال والضيافة. وقد أبلت بلاء حسنا في هذا المسعى، وتقاسمت بطونها تلك المهمة مهيئين الظروف المادية والتنظيمية لضيوفهم الذين كان مقررا ألا يزيدوا على الألف على أكثر تقدير، لكن الجميع فوجئ بأزيد من خمسة آلاف ضيف من جميع أطراف موريتانيا، بل ومن الصحراء الغربية. وقد كان التنظيم والضيافة ناجحين رغم كثرة الضيوف، وكما قال يحيى ولد عبدي في مذكراته فإن منطقة الترارزة -على سبيل المثال- كان يتوقع أن يأتي منها ثلاثمائة مندوب بينما جاء منها ألفا شخص، وكان من المتوقع ألا يتجاوز جميع الحضور الألف فبلغوا أزيد من خمسة آلاف.
وقد خلد الشاعر والمؤرخ المختار ولد حامدٌ، الذي كان من الحاضرين، بعض مشاهداته للنواحي التنظيمية، حيث اقتضى التنظيم أن يكون الضيوف في خيام بنيت بشكل دائري يشبه حرف "القاف"؛ بحيث يكون الجميع في مشهد واحد، ومن المعلوم أن حرف "القاف" يرمز للميسم الخاص بقبيلة إديچبَه، يقول ابن حامدٌ :
يا دارةً ذَرَّ فيها سعدُ أخبيَّةِ....
وذَرَّ سعدُ سُعُودٍ بل وجَوزَاءُ
كالأرضِ دَارَ بها "قَافٌ" فسَوَّرهَا....
أو كالسماءِ إذا ما صَحَّ إصْحاءُ
كأنما هالةٌ دارتْ على قمرٍ...
أو قُلِّدَت عَسْجدًا في الجيد أسماءُ
أو كالبُحيْرة قد دار الهضابُ بها....
أو كالجزيرةِ مُحتفًّا بها الماءُ
والعَسْجَدِيَّةُ تعلوها جوانبُها...
والشِّربُ دار وبينَ الشَّرب صهباءُ
فيها لمن جاء إيواءٌ وثم له....
إنْ جاع أو يَظْمَأْ إشباعٌ وإرواءُ
شكرا لِمَعْشَر "قَافٍ" دوَّرُوهُ فهمْ.....
للضيف والكتب قَرَّاءٌ وقُرَّاء
مؤتمر ألاگ وسؤال الوحدة
لعله من حسن حظ المؤتمرين في ألاگ وجود هذا السياق المتدافع داخليا، والمتسم بكثرة الحسابات الإقليمية خارجيا؛ إذ كان على الجميع أن يعي الخطر ويحاول تجنبه وهو تجنب لم يكن ليحصل إلا بتوحيد الجبهة الداخلية، وعلى هذا الأساس عرفت مدينة ألاگ الصياغات الأولية للمشروع الداعي إلى تكوين الدولة الموريتانية المستقلة الموحدة. وقد تمثل في توحيد الجبهة الداخلية حيث تم الإعلان خلال هذه المؤتمر الذي حضرته جميع الوجوه السياسية في ذلك الوقت عن انصهار التشكيلات السياسية القائمة في بنية سياسية واحدة .
لقد انبثق عن المؤتمر صهر حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني وحزب الوئام الموريتاني وبعد ذلك كتلة غورغل في حزب واحد جديد هو: "حزب التجمع الموريتاني". أما رابطة الشباب الموريتاني، فلم تكن مع الوحدة، وستشهد سنة 1958 انقساما إلى توجهين أحدهما سيكون نواة حزب النهضة .
لقد كان مؤتمر ألاگ - كما يقول الباحث د سيدي أعمر ولد شيخنا- مؤتمر التأسيس للكيان الموريتاني، ففيه رسمت الملامح العامة للشخصية الوطنية، وحددت التوجهات الإستراتيجية الأساسية لهذا الكيان طبعا وفق المعطيات الزمانية والمكانية حينها -كما عكست ذلك نتائج وتوصيات المؤتمر التي عبرت عن انشغالات المؤتمِرین وحسمت في قضايا ملحة كانت بحاجة للحسم .
وكان من أهم قرارات المؤتمر:
- صهر التشكيلات السياسية القائمة في حزب موحد هو: "حزب التجمع الموريتاني
الدفاع عن وحدة التراب الوطني الموريتاني ضد كافة التهديدات أيا كان مصدرها-
- - بقاء موريتانيا جزءا من مجموعة غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية مع الاستقلال الداخلي التام، والرغبة في نيل الاستقلال الوطني .
- - ربط علاقات حسنة مع حزب التجمع الإفريقي والتجمع الديمقراطي الإفريقي بغية تحقيق عمل متكامل مع هاتين التشكيلتين المتنازعتين على ألا تنحاز موريتانيا إلى أي منهما دون الأخرى
. التحفظ تجاه إنشاء حكومة عليا أو برلمان أعلى في داكار-
- رفض الانضمام السياسي أو الإداري إلى "المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية"، مع إمكانية عقد اتفاقيات اقتصادية معها، على أن يتم التفاوض على تلك الاتفاقيات بحرية تامة .
هذا فضلا توصيات تتعلق بحيثيات فنية داخلية مثل التقشف والضرائب والخدمة العسكرية وتعميم اللغة العربية .
وقد وجه المؤتمر نداء خاصا الى فرنسا يطلب منها فيه وضع حد للحرب في الجزائر.
وقد كانت توصيات مؤتمر ألاگ والتي كان من بينها الموقف الرافض لانضمام موريتانيا للمنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية محرجا إن لم نقل مغضبا للوالي الفرنسي ألبير موراغ، الذي كان قد أعلن لرؤسائه في باريس مسبقا ودون تبصُّر منه "أن المؤتمر لن يتمخض عن أي مفاجأة"، فكذَّب مضمون قرارات المؤتمر تنبؤه، ورأى فيها "بذور قومية عربية خطيرة على مستقبل نفوذ فرنسا في موريتانيا وباقي مجموعة غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية " .
خاتمة :
كان مؤتمر ألاگ علامة فارقة في التطور السياسي الموريتاني؛ حيث أسس لقيام الدولة الموريتانية وذلك في سياق من التشرذم الداخلي والتدافع الإقليمي وإمساك فرنسا لمعظم الخيوط لمزيد من التحكم في مستعمراتها وهي تتجه نحو الاستقلال. كما كرس مؤتمر ألاگ التوليفة السياسية التي انبثقت عنها زعامة المختار ولد داداه ومحورية شخصيته على المستوى الوطني حزبيا وحكوميا وفي مقابل تراجع النفوذ السياسي لسيدي المختار ولد يحيى انجاي .
والواقع أن التحديات القوية التي واجهت مؤتمر ألاگ، والمتعلقة بنشأة الدولة الموريتانية، كانت ضاغطة، وقد استطاع المؤتمرون أن يفككوا بعضها وأن يرحلوا بعضا آخر، والنجاح المؤكد الذي استطاعوا تحقيقه هو جعل الوحدة الوطنية مقدمة لكل مشروع دولتي، وهو أمر لا خلاف في وجاهته " . من مقال منشور بعنوان : " مؤتمر ألاك 1958 ... في سبيل الدولة الموريتانية الموحدة " للباحث الدكتور : سيدي أحمد ولد الأمير.
هذا وكانت مجلة الجيش الوطني في عددها لشهري نوفمبر – دجمبر 2011 صدرت إصدارها بالوزير السابق معروف ولد الشيخ عبد الله، ونشرت المجلة في هذا العدد صورا من إرشيفه أثناء وظائفه السامية التي تولاها في الأعوام الأولى للدولة الموريتانية.
وتحدثت المجلة التي تصدر عن القوات المسلحة الموريتانية عن ميلاد معروف عام 1926 في ألاك ، ومتابعته دراسته في أبي تلميت ، وحصوله على شهادة المدرسة العليا في مدرسة وليام بونتي في سبيكوتان. حيث كان أول مسؤول موريتاني (نائب آنذاك) رفع علم الجمهورية الإسلامية الموريتانية الجديدة.
أما عن مساره المهني فقد تقلد الوظائف التالية :
- 1945 – 1957 موظف إدارة عامة.
- 1957- 1959 عضو الجمعية الإقليمية الموريتانية.
- عضو في الحكومة الموريتانية لمرات عديدة (وزيرا للخارجية).
- وزيرا للصناعة ، وزيرا للتخطيط ، وزيرا للخارجية ، وزيرا للدفاع الوطني من إبريل 1970 حتى أغسطس 1971.
- نائب رئيس الجمعية الوطنية.
- والي ولاية، ورئيس دائرة.
- سفيرا في إسبانيا وتونس.
أحيل إلى التقاعد في العام 1979.
كما نقلت المجلة مقتطفا من مذكرات المختار ولد داداه يتحدث فيه عن دور الوزير معروف ولد الشيخ عبد الله، ويقول فيه: "... لقد لعب محمد المختار الملقب معروف دورا مهما في هذه الحقبة، حيث كان عضو في الجمعية الإقليمية والتشريعية، ووزيرا في مختلف القطاعات. كان حريصا على عمله، وكان يؤدي المهام الموكلة إليه بشكل مرضي، والتي كانت آخرها سفارتنا في تونس عند انقلاب 1978، وكان شخصية دينية وروحية في نفس الوقت، الذي كان فيه رجلا قادرا على أن يحتفظ لنفسه بما يعرف أو بما يؤتمن عليه. كان كتوما، وكان يقوم بواجباته بجدية. لقد تصرف دائما كمسؤول حقيقي أثناء النقاشات الكبرى...".
فيديو من إنتاج المدون محمد ولد كبادي يسلط الضوء على جوانب من حياة الراحل