بعد الاطلاع على كثير من التعاليق و ردود الفعل على اجتماع الوزراء السابقين، أود أن أتناول معكم موضوع "العلاقة بين الأجيال". و رجائي من النقاش هو التفاهم معكم على مقاربة وسطية تجنبنا الوقوع في خطأ التعميم و خطر القطيعة بين الأجيال بما يؤدي إلى نبذ التراكم و البدء من الصفر. هذا بالإضافة إلى الوصول معكم إلى الاعتدال في اللفظ والمواقف و نبذ المبالغة و عدم الانصاف.
تعلمون جيدا أنّ حياة الأمم بأركانها الثلاثة : الماضي و الحاضر و المستقبل سجل واحد ومسيرة واحدة لا تقبل الانفصام و الانفصال. ويشهد التاريخ على أن الخير كلّه في تعانق و تضامن الأجيال، و أن السوّء كلّه في التدابر و التعارض بينها. و لا مصيبة في التاريخ أعظم من "كلّما دخلت أمّة لعنت أختها". ولقد ذقنا نحن – هنا في موريتانيا - مرارة ذلك حين وقع الانقلاب الأول على الحكم المدني و جاء بأمة جديدة جعلت التاريخ يبدأ من 10 يوليو 1978 .. و اعتبرت ما قبلها مجرد ضياع وظلم وفساد. ثم جاءت أمة 1984/12/12، و أعلنت عن بداية جديدة للتاريخ، وجعلت ما قبلها مجرد جهل وتخبط لا قيمة له في ميزان الأيام... ثم جاءت أمة 6/8/2008 و لعنت ما قبلها.. يعني أنه في كل مرّة تأتي أمّة جديدة فتلعن أختها التي قبلها و تهيّئ الظروف والأجواء لتُلعَن هي ممّن بعدها. وهكذا تستمر دوّامة اللعن والتلاعُن ..
أعتقد أن الرئيس الحالي تجنب حتى الآن الوقوع في ذلك الخطأ المقيت. لم يلعن أحدًا، و لم يحارب عهداً و لا رئيسا سابقاً و لا جيلاً،، و حسناً فعل! المطلوب ليس إتلاف صفحة من صفحات التاريخ حتى ولو كانت بها دنس، ولا محو كلمة من كلماته حتى ولو كانت بها خطأ.. المطلوب هو صقل الصفحات و إجلاء الحقائق و تصحيح الأخطاء، والاحتفاظ بالسجل كاملا دون إلغاء أو تمزيق. التاريخ لا يقبل التجزئة و الانقطاع، بل هو حلقات متتالية من سلسلة واحدة.
قد يعللّ البعض هذا الكلام بالقول إن لكل زمان أمة ولكل أمة رجال. و هذا صحيح. وقد يقول قائل بأن كلّ أمة مدعوة لبناء حاضرها بيدها بغض النظر عن سائر المؤثرات الأخرى. وهذا أيضا صحيح، ولكن الدعوة هنا ليست دعوة للقطيعة بين الأجيال، و إنما هي تحذير من التماثل أو الاكتفاء بصياغة الماضي وإعادة إنتاجه أو "تدويره" بلغة أهل اليوم (ههه). فلا أحد يقول باعتماد الماضي مطلقا والبقاء عليه ومتابعته خطوة خطوة. فبين القطيعة والتماثل حالة وسط هي التواصل الرشيد الذي يشترط الرشد في الاقتباس من الأجيال، بمعنى أن نأخذ من كل جيل، بل من كل مدرسة، بل من كل حقبة وتجربة نقاط قوّتها وفوائدها المتوافقة مع توجهات اليوم حتى تكون ذخيرة لنا في بناء الحاضر والمستقبل. هذا هو منطق التاريخ و العقل والانصاف. و بناء عليه، فإن البلد بحاجة إلى كل من يستطيع بالقليل أو الكثير بصرف النظر عن الحقب والعهود.
********************************************
و في تدوينة قادمة نتناول خطر التعميم بحول الله ..
دمتم و دام عطاؤكم.