الشيخ يحيى ، " الرشاد " ، بوخزامة " .......طوبى للغرباء / محمد الامين لحبيب | أغشوركيت

الشيخ يحيى ، " الرشاد " ، بوخزامة " .......طوبى للغرباء / محمد الامين لحبيب

أحد, 30/05/2021 - 16:30

 

فإذا وقفت أمام حسنك صامتا   فالصمت فى حرم الجمال جمال 

ولْ الغزالي كَارَدْ يَمْ *** امْسَلَّكْ رَاصُ منْ لَغْرُورْ

يَمْشِ بَشّوْرْ اوْيَتْكَلمْ *** بَشّوْرْ اوْيَصَنَّتْ بَشّورْ

في الشمال الشرقي من مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوضى الشّرقي وتحديدا قرية "  بوخزامة " الوادعة ، اختار الشيخ يحي ولد سيدي أحمد ، أن يؤسس محظرته " محظرة الرشاد " للتعاليم الإسلامية ، حيث :

ألقت عصاها واستقرّ بها النوى  كماقرّ عينا بالإياب المسافر  .

بعد أن سقيت بماء التضاريس فاهتزت وربت وأنبتت ، فطلع نبتها مخضرا خضلا ، كما تنبت الربوة نباتها الحسن!!

أصبحت قبلة يحجها طلبة العلم من جميع أنحاء الوطن ، يدرسون فيها كتاب الله عزّ وجلّ ومايناهز أربعين متنا تشكل أضلاع المنهج المحظري الآخذ من مختلف النّصوص الشرعية بطرف .

مثلت " محظرة الرشاد " معلمة دينية وصرحا علميا شامخا سالت من معينه أودية " اظهر " بقدرها ،  ونهل من زلال فيضه الصافي طلاب " علوا " منه على مدى عقود من الزّمن ، إذ الشيخ يحي/سيدي أحمد ، دعامة هذا الشعاع الممتد عبر سفارة الشيخ العلمية وتألقه في المسابقات القرءانية ، فهو الحائز قصب السبق في جائزة حفظ وتجويد القرآن وعلومه سنة ١٩٨٤على مستوى الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، كما كان له القدح المعلى في إخراج الطبعة اليتيمة من المصحف الموريتاني . 

درس الشيخ فى محظرة أمّ القرى ولازم لمرابط العلامة : محمدسالم ولد عدّود رحمه الله كثيرا ، وكان أحد الطلاب المقرّبين منه ، وقد عرف بين زملائه بالسّيوطى لبراعته فى النّحو  وكثرة اهتمامه بألفية السيوطي في البيان ، وراجع محظرة أمّ القرى عدّة مرات بعد انتهاء رحلة طبله فيها . 

نذر " يحيان " نفسه للعلم فقد سمعته يوما يقول : (وددت لو أن لي مالا أعطيه للناس حتى يتعلموا ) ، وجمال هذه المقولة ينبع من صدقها ، ففي ثمانينيات القرن الماضي كان يأتي من نواكشوط ويعمد إلى منزل مهجور لينظفه ويجعل فيه حصيرا ويوفر الشاي والفستق والبسكويت ثم يدعوا الناس إليه ، شبابا وشيخوخا _ طلبة علم _ ثم يقول كلمته المشهورة عن اللامية : (هي اللا مي)مقللا من عدد أبياتها تسهيلا لها وترغيبا فيها .

فالحمدلله الذي جعل في كلّ زمان رجالا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ،  فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائه ضالّ قد أهدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ،  ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . 

هم في سماء العلم نجومها وبدورها ، وفي الأرض هداتها وحداتها ، يخرجون الناس بفضل الله ثم بنور علمهم من الظلمات إلى النور ، ويأخذون بأيديهم إلى سبيل الحق وطريق الفوز والسرور، ويرشدونهم بإذن الله إلى مرضاة العزيز الغفور، فهم الموقعون عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، فحق أن يوصفوا بأفضل الأوصاف وأعلاها وأعظمها وأزكاها ، كيف لا وهم الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم "ورثة الأنبياء" وكفى بها منقبة.

ليس ذلك فحسب ، بل مدح الله لهم في كتابه غلب كل مدح ، فقد قال عنهم سبحانه : {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} ، وقال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقال أيضا: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}؛ [الزمر: 9]. وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : {وقل رب زدني علما}.. والآيات في هذا الباب كثيرة معلومة ..

كما أن أحاديث رسول الله حول العلماء وفضلهم ،  تملأ النفوس بالفخر والاعتزاز ، ويكفي في ذلك حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظً وافر]؛ رواه احمد وأبو داود، والترمذي، وأصله في "الصحيحين".
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله عنهم: "هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الآباء والأمهات بنص الكتاب".

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثاً، والعلم يحتاج إليه في كل وقت" .

ولقد أحسن القائل :

العلم يحيي قلوب الميتين كما 

تحيا البلاد إذا ما مسها المطر 

العِلْمُ يَجْلُو الْعَمَى عَنْ قَلْبِ صاحِبِهِ .. .. كَما يُجْلِي سَوَادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ

وقال آخر:

فَلَولا العِلْمُ ما سَعِدَتْ نُفُوسٌ .. .. وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ
فبِالعِلْمِ النَّجاُة مِـنَ المَخَازِي .. .. وَبِالجَــهْلِ المَــذَلَّةُ وَالــرُّغــامُ .

وقال أيضا :
فمن لم يذق مر التعلم ساعة ... ... تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم حال شبابه ... ... فكــبر عليه أربعا لوفاته.

فالحمد على نعمة التعلم والانصهار في ركب " حلق " شيخ ابتعد عن الأضواء وانكب على التعلم والتعليم تبليغا لدين الله وجريا على سنن السلف الصالح في قاصية الخريطة الجغرافية بين ديار حي ظاعين " ببوخزامة " حرسها الله . 

فلنحن اليوم في الحنين إليها أحق بقول حرمة بن عبد الجليل رحمه الله: 

" دمن دعتك إلى القريض فإن تجب

فـلمـثـلهـا يهدى القريض ويندب

وإذا ســكــت عــن الجـواب لشـرّة

فـاضـت فـذاك مـن الإجابة أصوب

أمـا النـسـيـب فلا يسوغك ذكره

عـصـر التـعـلم والمـشـايخ يعذب

كـفـا مـع البـونـيّ فـي عرصاتها

هـالات بـدر لم يـشـبـهـا غـيـهب

فـيـهـا تـجـمّـع سـيـبـويـه ويوسفٌ

والكــاتـبـي والأشـعـري وأشـهـب

شـاقـتـك أطـلال بـليـن لهم وما

شـاقـتـك سـعـدى إذ نـأتكَ وزينبُ " .