كان جوده يسبقه رحاله , وذكره الحسن يمتد ما أمتدت به الأيام , أمارات التوفيق والصلاح بدت عليه منذ الصغر , فما نزل بموطن - وكان كثير الترحال جواب الأماكن في مهام عامة - إلا وجد أحاديث الناس عنه ؛ ينفق لا ليقال منفق ، ولم يكنز الدنيا لحظة , وكانت يده مدرارا على كل " جدب محق " ولم تعلق الدنيا بقلبه ساعة رغم وفرتها بين يديه ؛ يبدهها دون خجل , وينفقها دون إسراف , وما وقف ببابه طالب حاجة - ممن يعرف أولا يعرف - إلا آب بها أو بما يطمئنه #سمعت أنه حدث ذات مرة أن الله لم يصرف عبدا إليه إلا لحسن ظن فكيف له أن يرد هو ذلك ؟
كل حياته تواضع , ومزاح , مع الغني - من جميع أصناف العالمين بمجلسه الموظف ورجال الأعمال والسياسة - والفقير , وذي الحاجة ... ؛
يوم ودعنا أظلمت الأرض وغشت المجتمع والأهل ظلال كان يمسكها رافعا راية مجدها ؛ في ذات اليوم رؤيت أفواج العالمين من كل حدب وصوب , مفجوعة ومكلومة معزية ومواسية - فرغم سنه الحديثة إلا أنه بلغ ما عجز عنه غيره - باكية ونادبة ولقد أتته الدنيا منقادة إليه ؛ لكنه كان يدرك حقيقتها فطردها أيما مطردي !..
كان فتى الفتيان ؛ يقرض الشعر ويحكيه , يسابق الفقيه , والقارئ , والكاتب , يقاسم العجوز حديثها , والشاب فكاهيته ..
القصص - الخاصة والعامة - شاهدة على ذلك .
خلدت تلك المواقف في قصائد شعرية - فصيحها وشعبها - وفي أحاديث لا يمكن إلا أن تكون في السجل الذهبي .
و ما كان فيه من مكانة - إجتماعية وسياسية وقيادية - لم يشغله عن التعلق بالله , وعن مجالسة الضعفاء البسطاء الذين تتجاوزهم النظرات ؛ فما إن تأوي الجموع إلى فراشها الوثير حتى يقبل هو على ربه إقبال غير المدبر , فيذرف الدموع , ويبث السر لمن يعلم السر وأخفى ؛ له ورده الخاص , وله مجالسه الخاصة مع ربه .
إنه ثلم أصاب الأسرة يوم انطفأت شمعته , لكنه كان شديد الحرص على العمل لتلك الساعة .
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المشدد .
لُكان الْيَمْنَع امْن الموت ** البَهْجَه والمعالي
ؤُالاخلاق الزينة مايْموت** ول الداه "الغزالي".
محمد عبد الجليل