حزبُ الإنصاف ورسائلُ الانضباط الحزبي..
لا شك أن من أهم التحديات المطروحة على الأحزاب عموما، وحزب الإنصاف بصفة أخص، هو ما درجت الأوساط السياسية المحلية على تسميته ب" ظاهرة المغاضبة"، وهي ظاهرة يتخذ أصحابُها من الترحال السياسي – في الأوقات الانتخابية الحرِجة – سلاحَهم المفضل، وهو سلاح مزدوج الأهداف مألوفُ الاستخدام في هذه الربوع؛ فهو - من جهة - يمثل احتجاجا عمليا على خيارات الحزب التي لم يكن المغاضبون ضمنها، وهو - من ناحية ثانية - محاولة منهم لخوْض تجربةِ حظٍ خاطفةٍ على متن رأسية حزبٍ آخر..
إن الغرض - حسب هؤلاء - هو خوضُ تجربة يقامرون - من خلالها - بكل وسائلهم، طمعًا في الفوز ببعض نظائر المقاعد الانتخابية التي أبعدتهم عنها خيارات أحزابهم الأصلية، خاصة وأنهم لن يترددوا - أثناء المعركة الانتخابية - في استخدامِ مختلفِ اوراقهم التقليدية الرابحة البعيدة جدا عن قواعد اشتباك المنافسة الديمقراطية النزيهة..
إن مثل هذا السلوك المشين الشائع في بلادنا من طرف" المُغاضبين"، هو سلوك لا شك أنه مزعجٌ للحزب ومقلق له، خاصة وأن هذه " المغاضبات " كثيرا ما تحدث في اللحظات الأخيرة لإغلاق وقت إيداع ملفاتِ الترشح للمقاعد الانتخابية..
وللوقوف في وجه ظاهرة "المغاضبة" المارقة على الانضباط الحزبي، جاءت الرسائل الموحدة التي حملتها بعثات حزب الإنصاف إلى جميع مناضليه في ولايات الوطن.. وهي رسائل تشي بأن قيادة حزب الإنصاف واعية - بما فيه الكفاية - خطورة ظاهرة "المغاضبة" المزمنة، ومُدركة - أيضا - لضرورة محاربتها الحازمة والعاجلة؛ فعمدت إلى تحميل بعثاتِها رسائلَ وحيدةَ الدلالة، صارمةَ التعليمات، أملا في زرع الانضباط الحزبي المنشود بين مناضلي ومناضلات الحزب أينما كانوا؛ داخل الوطن أوخارجَه.
ولكي يطمئن مناضلو حزب الإنصاف إلى وجاهة وعدالة ما أفصحت عنه قياداته من رسائل، فقد كشفت تلك البعثات الحزبية عما يلي:
1- أن الانضباط الحزبي واجب عيني على كل مناضليه أفرادا، وجماعات، وأحلافا...
2- أن الحزب سيستطلع شعبية مناضليه في كل مكان، وسيزنها بتجرد وموضوعية وحيادٍ، وذلك سعيا منه إلى إنصاف جميع مناضليه، مع حثهم الدائم على التوافق ما وجدوا إليه سبيلا.
3- أن البعثات ستعود إلى قيادة الحزب بتقاريرها المفصلة حول اجتماعاتها المطوَّلة بكافة الفاعلين السياسيين، وأن تلك التقارير ستكون الأساسَ الصلب الذي ستتمخض عنه اختيارات الحزب وقراراته، وأنه انسجاما مع وجوب الانضباط الحزبي، لا مناص - أبدا - من تقبل جميع المناضلين والمناضلات لما ستتبناه قيادة الحزب من قرارات على كافة الصعد السياية المختلفة.
واخيرا، فإن المراقب السياسي المتابع لما جرى ويجري على مستوى البعثات، سيلاحظ - بوضوح - أن الفاعلين السياسيين لحزب الإنصاف، قد بعثوا - رغم تجاذباتهم الخاصة - بإشارات إيجابية في هذا الإطار؛ غير أنه - مع ذلك - سنظل حذِرين في الجزم بصدقية تلك الإشارات، وستظل مسألة الانضباط الحزبي الحقيقي فرضية غير مؤكدة تماما، ما لم يتجاوز أصحابها هزة الاختبارين التاليين:
1- امتصاص بعض الفاعلين السياسيين الأنانيين لاستبعادهم من خيارات الحزب المنتظرة، وخضوعهم التام لواجب الانضباط الحزبي.
2- انتهاء المهلة الزمنية المخصصة لإيداع الملفات، دون ان يفاجئ المغاضبون حزبهم الأصلي بترشيحاتٍ من رأسيات أحزاب أخرى..
# - وعموما، فمن المؤكد أن قيادة حزب الإنصاف ستحرز – إن هي نجحت في القضاء على ظاهرة "المغاضبة" المستفحلة - نجاحا سياسيا غير مسبوق في تاريخ الحزب الحاكم، وسيكون ذلك النجاح نقطة ارتكاز لبناء حزب سياسي منسجم ومحترم..
فهل سيتمكن قادته الجدد من تحقيق ذلك الفتح السياسي الكبير .
المفتش عبد الناصر محمد محمد المصطفى.