أغشوركيت ( آراء ) : أحمدُّو فال ! يتيم عقد الأكرمين وواسطته، سمير القرآن وخادمه، لم يترك فسيلة خيرتغرس إلا غرسها أو هيأ لها تربتها الصالحة،
آخر إخوته البدور الخمسة الذين غيب المنون أرواحهم وخلّدت الأيام محاسن آثارهم،
ؤلائك قوم إن بنو أحسنوا البنا// وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعمى عليهم جزو بها // وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا'
لاغبت قبورهم سحائب الرحمات،
أحمدُّو فال سفر من الحكايات العبقة عن ماضينا الجميل يطوي"وأمة فُقِدت في مُفرد،
وماموت إسماعيل موت مجاور = إذامات أبكي إبنا وأوحش منزلا،
ولكنه موت رمى كل منزل = بما أرمل الناشين فيه وأثكلا،
انهد ركن ركين من أركان المسجد وغابت إحدى شموس جواهره للغروب، كلما حاولت أن أقول فيه كلمة تطفر الدمعة من عيني، فلا الدمع يكفكف آلام الرحيل ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفف لوعة الفقد حتي الكلمات تتحشرج فأستعيدها
من قاع التردد لتبقي على خط الحياة الممدود،
لاغرو أن تشتبك الرؤى في ذالمقام وتذوب المفردات فرقا من هوله، بل وتذوي ثمارها
في حقولها اليانعة، وتنضب ينابعه المتفجرة أنهارا ' بعدما طال السماء بشموخ سفحه،
“ولأن ما لايدرك كله لايترك جله”
لم يمنعني ذلك من قراءة قليل من “سِفر تعاظم سبره قراؤه،
1 نسبه ونشأته :
هو الشيخ أحمدُّو فال بن محمد، بن سيد، بن المصطفى، بن الحاج أحمد، بن المصطفى الملقب "الغلاوي" ولد سنة 1933 "بأغشوركيت"
نشأ الشيخ أحمدُّو فال وتربي في بيت علم وورع حيث نهل من معين علمهم وورعهم وحفظ القرآن في سن مبكرة،
ثم أخذ الشيخ رحمه الله رحلته في طلب العلم على الشيوخ في بلده وأخذ مبادئ العلوم عن شيوخي بلده،
ثم رحل بعد ذلك إلى الشيخ محمد الأمين بن أحمد البشير في أطار، وقد درَس الشيخ النصوص المتداولة عليه ورجع بعد ذلك إلى بلده ودرَّس وأفاد’ وكان له أثر نافع في تدريس النساء في بيته أحكام الفقه، وكن يقصدنه للاستفتاء في ما يعرض لهن كمان كانت له حلقة علمية في بيته العامر بذكر الله، وتلاوة القرآن يدرّس فيها أحكام شرع الله لكل من أتاه يطلب ذلك،
كان رحمه الله مدرسة في الزهد والورع تحتاجه البشرية احتياج الماء في الحياة، سمحا لذيذا،
حلو المزاج طيب الأرومة، ليّن العريكة، نقي السِّر دمث الأخلاق بهي المحيا، يأسر الأفدة ويأخذ بمجامع القلوب، سديد الرأي ثاقب البصيرة، وقد ورث السُّؤدد بجميع أبعاده ومقوماته، عابد زاهد لاينقطع لسانه عن ذكر وقراءة قرآن،
يفضل الابتعاد عن الناس مخافة الوقوع في سقط الحديث، كما يفضل الجلوس وحده، وينبذ الحديث كثرة الحديث مهما كان قبَليا أو أُسَريا وكأنه رأى الحياة سجنا لايليق به، فأعدّ العدة، وتزود بزاد الورع والخشية، نشأ في في محراب مسجده، مرابط على مصحفه، ملازم لذكره، لاتفارقه تلك الابتسامة المحاطة بالخشية والوقار، والوجه الصبوح الذي تشع أسرته نورا وبهاء، زينة المجالس،
تعلوه المهابة والوقار،
يامن حسنت سريرته وحمدت سيرته، سلام عليك في الخالدين،
كهف العلى وكنز المعالي = وبه يحتمى إذا الخطب هالا
ماجد مفرد تجمع فيه =شاردات العلى فعز مثالا
طاب أصلا وطاب فرعا فأضحى.=طيب المحتدين عما وخالا
يحسن الفعل في الخطوب إذا ما= آد خطب وفي النديّ المقالا
وبه كانت الليالي قصارا=فغدت بعده الليالي طوالا
عاش ساعيا إلى الخير جميل الخصال كثير الإنفاق وصّالا لرحمه زيارة وعطاء وودا ومواساة"
رفيقا في نصحه وتوجيهه حكيما في إيصاله الفكرة التي يريد إيصالها والموعظة الحسنة التي يريد تبليغها، لقد تضلّع من المجد رضيعا وبلغ السماك فيه يافعا فالمجد له سجية ولم تغب عنه جزئية،
وإن ذكر المجد ألفيته == تأزر بالمجد ثم ارتدى،
كان ملجأ الضعيف والفقير ولسان حال ذوي الحاجة والأرامل واليتامي بعد رحيله
مضي من كان يحمل كل ثقل = ويسبق فضل نائله السؤالا،
وتحدى كل الصعاب إلى أن أقعده العجز، متمثلا بقول عنترة، :
فما أوهى مراس الحرب ركني == ولكن ما تقادم من زماني،
2 رجل معلَّق قلبه بالمساجد لايثنيه شديد حر ولابرد شتاء، طرقه معبّدة إليه بالذكر وتلاوة القرآن،
ينتفض حين يسمع النداء الأول فيكون الأول منا ذهابا إلى المسجد وآخرنا بقاء’ فهو أحق من الفرزدق بقوله:
إن الذي رفع السماء بنى لنا = بيتا دعائمه أعز وأطول
يستعين” بسبحة” لاتفارق يداه، قوام لله في غسق الدجي مشاء في الظلم إلى المساجد، مستحضرا حديث النبي صلى الله عليه وسلم (بشر المشائِين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة،)
كأني أراك الآن فى غسق الدجى**تقوم لوجه الله جلّ جلالُهُ **
فمازال صوت الذّكْر منك بمَسْمعي**وأحسبه لم ينقطعْ وأخالُهُ
أحمدُّو فال أوّل من اعتكف العشر الأواخر من رمضان في مسجد الجامع وحده، وسنَّ سُنَّة حسنة بذلك، كل حياته مرتبطة بالمسجد حتي وبعد أن ضعفت قواه عنه كان حريصا على الذهاب إليه وجاهد فيه جهادا كثيرا حتى أقعده العجز وصار ضريح فراشه، “واعل مرات ذهو ذاهب اعكاب الليل لين اسول حد هو اشكان واعد اكول آن الا كنت واعد المسجد واذهبت عنو امجيك ذ موفق فيه، الحمد لله الجابك مولان نعتلي اطريك المسجد”
لا إله الا الله ما أشد تعلق أحمدُّو فال بالمسجد،
تحدى كل الصعاب إلى أن أقعده العجز، متمثلا بقول عنترة، :
فما أوهى مراس الحرب ركني == ولكن ما تقادم من زماني
أحمدُّو فال قارئ القرآن ومقرؤه سلوكه قرآن ومحياه قرآن وجليسه القرآن وأنيسه ومؤنسه القرآن، لاتراه في يقظة إلا ويقرأ القرآن، يرتله آناء الليل وأطراف النهار حتي وبعد أن بلغ من الكبر عتيا يرتّل آي الذكر فى كل وقت وحين، وكثيرا ما أجده نائما ومصحفه بين يديه،
الكل ينشد جزء من مكارمه== يحتار منشدها من أين يختار،
كلما رءاك غير مشتغل بما ينفعك سألك عن أبيات لفلان هل تعرف بقيَتها أو سألك عن فقهية هل تعلمها وإذا لم تجبه أفادك بها ،
أخذ بيدي ذات يوم وأناطفل صغير وسألني هل درست كتاب “الأخضري” فقلت له لا، فقال لي ولماذا لم تدرسه ؟ فقلت له “ بي الا اللّوح والمحظرة وان ذاك الزمن ماعجبتني اكريت اللوح اكبال”فقال لي اترك المحظرة ودارسة القرآن حتي تدرس الأخضري فهو فرض عين مقدم على غيره
وكانت حينها فاتحة خير لي وكنت آتيه كل يوم أدرسُ عليه،
“ولين نحفظ اعليه كتبتي نمشي نلعب اعل طول انهار هو المهم عند الاحد يعرف فرض عين واعلم بيه الوالد حفظه الله واعكب بعد كالو اعلن ذ يخلط كامل، كل ذلك من شدة حرصه على تعليم الناس فرض عينهم،
4 أحمدُّو فال التاجر الأمين
يصلي الصبح. في المسجد ثم ينتظر ركعتي الإشراق وينهي ورده القرآني وبعد ذالك يعود لمنزله، ويذهب إلى” دكَّانه” في السّوق، يباشر عمله التجاري،
ومن شدَّة ورعه وزهده وحسن خلقه أنه لايدين مدينا ولايردّ محتاجا معطاء كريما سمحا في بيعه، ٠
ويكفي من ذلك أنه وفي عقده الأخير قرر في نفسه
التخلص من "دكّانه" وبيع مافيه والتفرق للعبادة،
وأخذ دفتر "الدَّيْن" عنده وعفى عن كل من له دين عنده، وكلما أتاه أحد المدينين بعد ذلك يريد قضاء دينه له يخبره بأنه عفى عن كل من كان له دين عليه، وسمح له ذلك، وشعاره في ذلك { فاصفح الصفح الجميل}
وقد أخبرني رجل أنه جاءه بعد ذلك بمبلغ كبير يريد أن يقضي دينه الذي كان مسجلا عليه، فأجابه أحمدو فال بقوله. "ذاك اللي كامل كان مسجل أسم في دفتر الدَّين اعفيت عنهم واسمحتلهم وانت منهم"
فألحَّ المدين عليه بأخذه فأجابه أحمدُّو فال بقوله "الا إلين اتعود عاطيهلي مانك مخلص بيه ذاك اللي فت اعفيت عنك نكبظ). وذهب به معه ، ولم يأخذ أحمدو فال شيئا منه،
كما سأله أحد إخوانه المقرَّبين منه "كالو أحمدو فال انت بوتيكك بايع لاش ؟ فأجابه أحمدو فال بقوله
"ألا محدي كل يوم انجي كل انهار اصباح نفتح البتيك والحال متناظر انحس باعلني توكلي على الله موه تام اكبال نختير انعود ماه عندي ؤلاني فاصل فيه لين إتم توكُّلي اعل مولان حكحك،
وأي شيء أعظم من المتاجرة مع الله،
كان رحمه الله ظريفا مؤنسا حديثه الحلو لايمل،
من طرائفه أنه أكثر عليه شخص الخصام وكانا في حديث معيَّن وأحمدُّو فال ملامزم لصمته كعادته، فالتفت الرجل إلى أحمدو فال غاضبا " وأخذ بيده وقال له ”أحمدو فال انت ذلي كتلك الفوك خاصمت اعليك بيه اسمعتو ولل ماسمعتو فرد عليه أحمدو فال بظرافته وقال له “آن بعد ظرك ارخيلي أيدي ليه انحك اخنافري” وانتهي الحديث بالضحك،
أحمدُّ و فال رجل الصيام والقيام
يصوم ثلاثة من كل شهر، ويواظب على صيام كل يوم اثنين وخميس، وستة من شوّال، ناهيك عن صوم رمضان وقيامه، وختمات القرآن المتتالية فيه، ورابط على ذلك حتي أقعده العجز ،
كنت دوما ما يدعوني داع لفطوره “ياعبد الله “وهاي لحّك افطور احمدُّو فال راه شور المسجد”
هذه الكلمة لم أذق مرارتها من قبل واليوم أتذوّق مرارتها لأنها انصرفت معه إلى الأبد،
من أين سأجد من يقولها لي “وهاي لحك افطور أحمدُّو فال شور السمجد”
من يبيعها لي بأي ثمن أشتريها من عنده بأضعاف مضاعفة وله الأجر،
من قصصه الطريفة في الصوم أنه ذات يوم في رمضان وبعد عملية جراحية ناجحة وفي غرفته فى المستشفى، ولازال تحت مراقبة الطبيب “معلكال الدكة”،. ناوله أحد الحاضرين الفطور الصباحي “كالو أحمدو فال بسم الله اصبوح صد اعليه كال ابدي آن اليوم مالي صايم اعكدت النية البارح"
أي حضور للعبادة كهذا، لطفك بنا يا الله،
وأعمال بر صالحات تزينه :: بها الود موصول له أين يمما
وعما تبقى من حميد خصاله :: أرى الصمت أولى بي من أن أتكلما،
كنت كثيرا ما أسمعه يردد هذه الأبيات التوسلية
ياربنا بأَسْمِك الجليل = وحقِّ ما أودعت في التنزيل
فرِّحْنا ياكريم في الرحيل=عنِ الدُّنيا بفضلك الجزيل
وعند قبض الروح ياوكيل = فقابلا بالبشر والتبجيل .
وقد أخبرني والدي أطال الله عمره بصحة وعافية أنه وقبل اسبوعين من وفاته وقد صار ضريح الفراش لايحرك غير شفتيه إذا به يذكر ربه
ذكرا كثيرا وهو عاجز عن ذلك، وغير قادر عليه، لضعفه، فكانو مضطرين للا تصال بالطبيب
ليعطيه دواء ياساعده في النوم، ويتوقف عن ذكر عجز عنه لسانه، وكأن ذكره في هذه الحالة بشارة له وتبجيل له واستجابة من ربه له لماكان يدعو به،
ما أعظم أن يكون حضور الانسان كله عبادة وحركاته عبادة، وتنفسه عبادة،
أبي كل لفظ عن رثائك قاصر == وعن مضمري التعبير بان كلاله،
رحمك الله فكل مدح في ذكراك ولو طال قصير،
اسلم أحمدُّو فال روحه الطاهرة لباريها مبشرا بحواصل الطير الخضر" واضعا صحائفه في عليين بين دفتي الكتاب المرقوم، الذي يشهده المقربون،
خالد مع الأبرار على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم، يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك، مزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون،، ولانزكي على الله أحدا
وَهَوَّنَ مَا أَلْقَى مِنَ الْوَجْدِ أَنَّنِي أُجَاوِرُهُ فِي قَبْرِهِ الْيَوْمَ أَوْ غَدَا.
اللهّم كن له انيساً وبه رحيماً و اشمله بالعفو و الإحسان و الغفران اللهم ارحمه رحمةً تطمئن بها نفسه وتفسح له في قبره وتؤنس وحشته وترحم غربته واجعلنا خير خلف لخير سلف واحسن خواتمنا وخواتم والدينا برحمتك يا أرحم الراحمين
لخطب ذاك أرهقنا ولكن == رضينا فعل خالقنا تعالي،
إنا لله وإنا إليه راجعون
كتبه ابنه وحفيده / عبد الله محمود الغلاوي