أغشوركيت ( آراء ) : إضافة إلى مكانتها التاريخية كمعلم "نفيس" محاط بروافد سمتها الندرة، ظلت بحيرة مال موردا إقتصاديا بالغ الأهمية، ناهيك عن كونها وجهة سياحية قل نظيرها في الوسط الريفي الموريتاني، مما جعلها تصنف ضمن البحيرات الخمس ألأوائل الأهم والأكبر وطنيا.
وعلى مدى عقود عديدة من الزمن كانت بحيرة مال ملاذا آمنا للمنمين من شتى أنحاء الوطن، خصوصا في أعوام الشدة التي شهد الوطن فيها ندرة للأمطار ، نظرا لقدرتها الإستعابية و التخزينية.
وعلى الرغم من إزدحام المنمين انذاك وكثرة الحيوانات بشتى انواعها، كان الشق الزراعي للبحيرة في أوج عطائه و كانت العملية الزراعية تتم بإنسياب تام وبإرتياح بالغ وبرضى -في الغالب- بين المنمين والمزارعين.
كما كانت السياحة في ابهى تجلياتها، حيث كان بلوغ "بحيرة مال الساحرة" غاية لمختلف السياح الأجانب وحتى من داخل الوطن، لماتتميز به من مناظر خلابة واجواء ممتعة و هادئة ، ناهيك عن ماحباها الله به من طيور قلً مثلها في نظيراتها كما وكيفا.
ورغم كل ذلك الإزدحام مع "الإزدهار" كانت السياحة و التنمية والزراعة تسير متزامنة و بإنسياب ودون مشاكل كبيرة تذكر.
لكن منذ حوالي عقد من الزمن بدأت بعض المشاكل الكبيرة والكوارث تتسلل إلى البحيرة وقاطنيها، حيث كانت بدايتها بين بعدي الجانب الإقتصادي للبحيرة، ويتعلق الأمر بالمزارعين والمنمين، الذين شكل كل منهما مكتب خاص به، وهي خطوة كان من المنتظر منها ان تعود بالنفع على البحيرة والمستفيدين منها، لكن سحابا عكسيا كان يُظلل سماء المَكتبَين ليمطر مشاكلا جمة بادر السكان المحليين إلى وأدها في الغالب.
لكن مازاد الطين بلة أن اصبحت البحيرة ثلاثية الأبعاد إقتصاديا ، بقدوم المولود الإقتصادي الجديد الذي استبشرت به الساكنة بل امتدت بشراه خارج المركز إلى مقاطعات الجوار وربما خارج الوطن، إذ تم الإعلان عن ثروة سمكية معتبرة، سرعان ما اصبحت وجهة للقادمين من الخارج، ليفرض الصيد نفسه ضمن اولويات القائمين على الشأن المحلي، لكنه اضاف حملا آخر على سابيقيه من المشاكل، فسرعان ما اصبح المنمي مضايقا من طرف الصياد، بل واحيا متضررا منه لدرجة أن بعض المنمين فقدو رؤوسا من البقر بسبب الصيادين.
ليتطور الأمر إلى إقتناع -وربما اقناع- وزارة الصيد بضرورة استغلال الشق الزراعي أيضا من البحيرة موسميا وتسمح بترخيص الصيد فيه، مما ضايق المزارعين هذه المرة الذين رأو في الخطوة مفسدة أقلها تأخير موسمهم الزراعي في ظل التحكم في المياه فترة اكثر من اللازم.
لكن ورشات تكوينية وجلسات إجتماعية وإدارية قليلة كانت كفيلة بإقناعهم بالفوائد الإقتصادية والمادية الكبيرة والتي سيجنيها هؤلاء وغيرهم من ابناء المقاطعة "الفتية" .
لكن "سحابا" موسميا على مايبدو من المشاكل والعوائق امطرت "اصطناعيا" مجددا وهذه المرة بحجة إرغام من الوزارة المعنية بضرورة الترخيص لفريق أجنبي بالصيد في البحيرة.
وهو -إن صحً- مايجسد وبالحرف الواحد المثل الشعبي (الأعمى ال يحفر فبلد ويتفل فبلد ثان ويردم بلد ثالث)، إذ أن المكوًنين المحليين من طرف الوزارة لم يحصلوا على معدات الصيد كما تعهدت لهم الوزارة، فلم تتركهم وجهودهم الذاتية ، بل جلبت لهم منافسين، اجانب وبكامل التجهيزات وارغمت السلطات المحلية والإدارية على قبول ذلك رغم رفضهم للوهلة الأولى، لأسباب متعددة ووجيهة تتجسد كلها في ثنائية درء المفسدة عن البحيرة وجلب المصلحة لساكنتها.
وعلى الرغم أن زراعة البحيرة لم تعد بذاك المردود حيث كانت في الأيام الخوالي "بلا مشاكل" ، والمنمين المحليين يكاد الإنعدام يعد لهم ملجأ، والفوائد الإقتصادية والسياحة شبه مهملة على عكس إزدهارها انذاك، إلا أن المشاكل والتنافس الصاخب على الإستغلال "المضر" هو الهم الشاغل ، فياترى مالذي جعل هؤلاء كلهم يتنافسون وبهذا الشكل على ما لا فائدة -ظاهرة- فيه !؟
حقا بحيرة محيرة أنت أيتها الساحرة، طالما كنت منبعا طيبا، جميلة المنظر عذبة الماء خالصة اللبن طيبة الزرع، حفظك الله وحفظ ساكنتك و مواردك من كل سوء و مكروه.
*محمد محمود حبرز* 07/04/2024