كلمة موجهة إلى النخبة / أحمد محمود ولد اسلم | أغشوركيت

كلمة موجهة إلى النخبة / أحمد محمود ولد اسلم

سبت, 29/10/2016 - 12:02
الكاتب أحمد محمود ولد اسلم

منذ غابر العصور وإلى يومنا هذا، ظلت النخبة في أي مجتمع بشري كان تمثل الفاعل الرئيسي الذي يتحكم في عوامل وحوافز التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

سنتطرق في الجزء الأول من هذا المقال إلى تعريف نخبتنا الوطنية على أن نقوم بتصنيفها إلى فئات ومكونات فرعية متميزة.

أما الجزء الثاني فسيخصص لإعطاء نبذة موجزة ونقدية عن هذه النخبة مع تسليط الضوء على سلوكها وتصرفاتها وعاداتها الضارة التي ظلت تعمل على نشرها وإشاعتها في مجتمعنا منذ عدة عقود.

وأخيرا يتعلق الجزء الثالث بالعلاقات الارتباطية بين الفرص والامتيازات التي يتيحها الظرف الحالي الذي تجتازه البلاد وبما سيؤول إليه، من وجهة نظرنا،واجب هذه النخبة تجاه الشعب والسلطة والأمة بأسرها.

 

الجزء الأول

لقد أتيح لي من خلال دراسة أفقية لمجتمعنا أن أقف على 3 فئات كبرى لنخبتنا ولكل من هذه الفئات مكوناتها. وتتجلى هذه الفئات كالآتي:

الفئة الأولى تضم "النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية"وهي تشكل زبده وطاقة نخبتنا وتضم المكونات التالية:

القضاة، المحامين، الموثقين، كتاب الضبط، والعدول المنفذين، والإداريين، والمهندسين بجميع اختصاصاتهم، والدبلماسيين، الأطباء، الجراحين، الفنيين السامين في الصحة، مسيري المستشفيات، خبراء القضاء، الأدباء والمثقفين، الكتاب، الباحثين الجامعيين، طلاب الجامعات، المدرسين، مفتشي التعليم الابتدائي والثانوي، الأساتذة، الصحفيين، الفنانين، الموسيقيين، السينمائيين، رجال الأعمال، مديري الشركات، مسيري الشركات العمومية الكبرى، المحاسبين، خبراء المحاسبة، المدققين، أطر تصميم وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية في القطاعات الوزارية... الخ.

أما الفئة الثانية ويصطلح عليها باسم "النخبة السياسية والاجتماعية" وتتألف من: الوجهاء، ورجالات السياسة، وخبراء علم الاجتماع، وقادة ومناضلي الأحزاب السياسية، والنواب، والشيوخ، والعمد، ومستشاري البلديات وأعضاء المجتمع المدني... الخ.

ومن جانبها فإن الفئة الثالثة التي تكتسي أهمية بالغة في مجتمعنا الإسلامي بنسبة 100% تعرف باسم "النخبة الدينية"وتتألف من العلماء والأئمة والدعاة ومدرسي وطلاب المحاظر... الخ.

 

الجزء الثاني

في هذا الجزء من المقال، نتجرأ على معاتبة هذه النخبة التي نحن في الحقيقة على صلة وثيقة بها. وبهذه المناسبة نقر دون شعور بأي عقدة بأننا نتحمل جزءا من المسؤولية عن الأضرار التي لحقت بمجتمعنا في ما يعيشه يوميا على مستوى الممارسات والمسلكيات بالغة التأثير التي تتجذر يوما بعد يوم في اللاوعي الجماعي.

ومن وجهة نظرنا نرى، رغم مرور 54 عاما على نيلنا للاستقلال، أن مسلكيات وتصرفات جزء كبير من نخبتنا تجاه شعبنا (المرؤوسين) وسلطاتنا (الحاكمين) تلحق بالغ الضرر بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها مختلف السياسات والاستراتيجيات المعتمدة في بلادنا من أجل الرقي والتقدم.

ونحن مقتنعون، في الوقت الذي نكتب فيه هذا المقال، بأن هذه الوقائع المرة يمكن أن تثير سخط بعض أطياف النخبة التي تفتقر إلى التواضع والمواطنة والموضوعية والواقعية. وفي هذا المنحى فإن الأشخاص الذين يشعرون بالهشاشة بحكم تحصيلهم وواقعهم هم الوحيدون الذين سيعتبرون أنفسهم مستهدفين في المقام الأول.

ولنتذكر أعزائي القراء مثلا حيا ساقه العلامة والداعية محمد ولد سيدي يحيى الذي أكن له التقدير والاحترام لما يقوم به من عمل مضني خال من النوازع المغرضة وما يقوم به في صالح مجتمعنا وفقا لتعاليم الشريعة حيث قال ما معناه: إنه يكتفي بإعطاء صورة تقريبية للمدير أو المسؤول الذي يبذر أموال الدولة والشعب بوحشية وبإفراط، مضيفا أنه لاحظ أن الأشخاص المعنيين سرعان ما يظهرون على الملأ ويعبرون عن مدى غضبهم وامتعاضهم من هذا الكلام الذي ليس موجها لأحد بذاته.

وعلى وجه العموم فإن نخبتنا قد انحرفت عن جادة الصواب بحكم السعي الجامح إلى الثراء الفاحش بتسخير كل الوسائل المتاحة لذلك وهكذا فإن الجري وراء المادة وتعميم الاتجار ليشمل جميع الأنشطة البشرية في إطار هذه العولمة المتدفقة التي لا ترحم مما يؤدي إلى خنق نفس الأخلاق والمثل السليمة داخل المجتمع بكامله.

وتضم النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية مكونات تشتهر إلى حد بعيد بحرصها على تكديس الثروات بجميع الوسائل وبجميع الأساليب مهما كان نوعها دون الاكتراث بالصالح العام أو بمستقبل البلاد.

وهكذا فإن تأدية الواجب العام بما تمليه أخلاق المهنة لا يعتبر في أيامنا هذه الشغل الشاغل إلا لقلة ينظر إليها أنها مهمشة وغير فعالة ودون وزن يذكر داخل مجتمعها.

ويعتبر ابتزاز الشعب ونهب موارده والتنازل عنها بأبخس ثمن مقابل خدمات يفترض أنها ذات نفع عام وبالتالي بدون مقابل إلى حد ما من الظواهر التي تزامنت مع انتشار الاتجار في أسوأ مظاهره البربرية واللانسانية.

ويجري تحريف الخدمات العامة لحساب خدمات خصوصية عن طريق المقاولة من الباطن في جميع الميادين. ولا يمكن للمصالح العمومية أن تقدم أدنى ضمان للمواطنين الذين يتمثل خلاصهم فيما تقدمه إليهم الدولة. ومن جهة أخرى فإن التعليم والصحة يمكن اعتبارهما من المرافق العمومية التي أصبح القطاع الخاص يحتوي عليها بالكامل بالأساليب التجارية. ونلاحظ في هذه الأيام أن البؤساء والفقراء والمنبوذين هم وحدهم الذين يلجأون إلى هذه المرافق العامة وهو أمر لا يمكن إنكاره.

كما أن هذه النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية تمثل خسارة كبيرة للسلطات وأصحاب القرار وتتسبب في اختلالات ومشاكل هيكلية لا حصر لها تتعلق بالتسيير وبما يترتب عليها من أعباء كبيرة جدا. وعليه فإن هذه النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية يجب أن تكون على قناعة بأنها تنطوي علي استثمارات هائلة من حيث رأس المال البشري والمالي وبالتالي يجب أن تستعيدها الأمة تدريجيا فليس من الواقع أن لا تقوم هذه النخبة بسداد ما أنفقته عليها الأمة مجانا وبطرق شتى.

أما النخبة السياسية والاجتماعية بجميع اتجاهاتها فإنها تسعي من خلال بعض مكوناتها الي بلوغ أهدافها التي تظهر بأوجه مختلفة.

وبالنسبة لـ"السياسيين" فإنهم يبحثون دون كلل عن طريق خطابات مشحونة بالكذب والنفاق والديماغوجية عن التفاف الطبقات الاجتماعية الفقيرة حول أهدافهم وقد يكون ذلك في الغالب بمناسبة منافسات أو انتخابية بلدية أو تشريعية أو رئاسية.

ويمثل تجديد الهيئات الحزبية وخاصة الحاكمة، على مر الزمن فرصة سانحة وطُعْمًا للبشر. وباستثناء عدد قليل من الأشخاص الذين يقدمون إسهاما جادا على الصعيد الوطني فإن بعض النشطاء في المجتمع المدني يعملون في الخفاء من خلال منظمات غير حكومية لحساب مصالح شخصية وفئوية.

وتبقى المهام والأعمال التي حصلت بموجبها هذه المنظمات غير الحكومية على أوصال من الوزارات المختصة في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية مجرد شعارات لا غير.ولا يهتم قادة هذه المنظمات غير الحكومية سواء داخل البلاد أو خارجها إلا بالبحث عن المال دون عناء وأحيانا بأساليب تتنافى مع أبسط الأخلاق والقيم.

أما نخبة رجال الدين وهم يتمتعون بتقدير كبير في مجتمعنا حيث ينظر إليهم الجميع نظرة احترام، فإنها تفتقر إلى الفاعلية والتأثير على مجريات وتبعات العولمة التي تترتب عليها على الدوام أوضاع وظواهر اجتماعية تتنافى وديننا وقيمنا الأخلاقية والروحية.

إن توريط هذه الجماعة في الأوضاع والنزاعات السياسية واللجوء إليها في تفسير ذاتي لنصوص دينية وما يترتب على ذلك من أنواع المحاباة، يمثل دونما شك عوامل تؤثر سلبا على مكانة ومصداقية هذه الجماعة.

 

الجزء الثالث

سنفرد هذا الجزء الثالث من المقال للفرص العديدة المتاحة أمام النخبة في هذه الحقبة التي تتميز بالتعدد الديمقراطي وحرية الصحافة والأمن والاستقرار والتوجهات الجديدة في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تترك آثارا مضاعفة وبادية للجميع.

وعلى هذا المستوى لا يمكننا إلا أن نثمن السياسات والاستراتيجيات الرامية إلى النهوض بالظروف العامة لنخبتنا التي أطلقتها الحكومة في السنوات القليلة الماضية تحت الإدارة المستنيرة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز باتجاه تحسين أحوال نخبتنا.

ومن بين الإجراءات التصحيحية التي تم اتخذها في إطار السياسات والاستراتيجيات التي أقرتها الحكومة يمكن أن ننوه على سبيل المثال لا الحصر بالإجراءات التصحيحية التالية: تدقيق قوائم العاملين في الوظيفة العمومية، الإصلاحات القطاعية التي طالت جميع القطاعات الحيوية في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مكافحة اختلاس المال العام، الفساد، وغيره من أنواع التبذير، استحداث أطر قانونية وأخلاقية تنظم معظم المهن التي تنتمي إليها الفئات الثلاث أعلاه وهي النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية والنخبة السياسية والاجتماعية والنخبة الدينية وكذلك انشاء مجلس الفتوى والمظالم...الخ

ويتطرق أيضا هذا الجزء من وجهة نظرنا إلى ما يجب أن تقوم به هذه النخبة من أجل خدمة البلاد بشكل صحيح مع احترام القواعد الأخلاقية الناظمة لمهام كل من هذه الفئات من جهة وواجباتنا وتعاليم ديننا وأخلاقنا من جهة أخري.

 ولذلك يجب عليها أن تثبت كفاءتها ومهارتها وأن تعمل على ترقية أفراد المجتمع وتكوينهم وفي نفس الوقت مساعدتهم على الاستفادة بأقصى حد ممكن من مزايا العولمة الجامحة وتفادي آثارها السلبية والضارة.

ويجب على النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية أن تسخر معرفتها وتجربتها لصالح المجتمع وأن تمتنع عن أي سلوك وشعور بالتفوق عليه. فالتواضع والوطنية والمواطنة والتفاني في العمل من الميزات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها أفراد هذه النخبة.

وإزاء السلطة، يجب على النخبة التكنوقراطية والمهنية والثقافية أن تؤدي واجباتها دون شرط وبدرجة عالية من الوعي المهني والكفاءة والمسؤولية. كما يجب عليها ايضا أن تتصرف بحذر وبحكمة إزاء العولمة التي تعمل في الغالب على إبقاء المجتمعات بدون قيم أو مبادئ أو تقاليد حسنة.

وعلى الأشخاص الذين يمثلون غالبية مكونات هذه الفئة التي تتحمل عبء تسيير المرافق العمومية تفادي كل ما من شأنه أن يؤدي إلى انتشار الزبونية أو التربح لكون ذلك يتناقض تماما مع أخلاقيات المهنية.

وعلى النخبة المهنية والاجتماعية أن تتصرف بنزاهة إزاء المواطنين بدل أن تعتبرهم مادة أولية أو جسرا أو معبرا لبلوغ أهدافها كما أن على السياسيين والنقابيين ونشطاء المجتمع المدني أن يرحموا المواطنين وأن يخدموهم بتفان وأن يتقاسموا معهم ثمرة عملهم ويجب أيضا على أفراد هذه الفئة الذين ينتمون إما إلى أحزاب الأغلبية الحاكمة أو إلى المعارضة أن يقوموا بأنشطة وأعمال تخدم الشعوب الشيء الذي يمثل دليلا قاطعا على إخلاصهم لهم وهم سيخوضون حملاتهم الانتخابية اللاحقة.

 ومن وجهة نظر الجميع فإن نخبة رجال الدين تمثل الإطار الأوحد والمناسب الذي يمكننا جميعا من خلاله وبمشيئة الله أن نبحث عن تحقيق الهدف المنشود والسعادة والرخاء للجميع في دنيانا وأخرانا.

نأمل أن تقوم هذه الفئة التي تحظى بالاحترام والمحبة بأداء مهامها النبيلة والمقدسة حسب نمط جديد يتماشي ومتطلبات المرحلة.

كماعليها أن تواجه بشجاعة وبدون مجاملة جميع الأعمال والظواهر مهما كان مصدرها والتي تتعارض مع معتقداتنا وممارساتنا الدينية متمسكين في ذلك بالقيم والعادات التي ورثناها عن أسلافنا.

وأخيرا يجب على النخبة الدينية أن تبتعد كل ما أمكن ذلك عن الاستبداد بالرأي والنزاعات السياسية وأن تحافظ على نفس المسافة من الجميع في أداء دورها بنزاهة وبدون تحيز.

 

الخلاصة

إن توطيد الوحدة الوطنية والوئام والسلم الاجتماعي وبناء اقتصاد قادر على التنافس قوي ومزدهر يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات نخبتنا بجميع فئاتها ومكوناتها.

وهكذا يجب أن نحارب بدون هوادة جميع الرواسب والممارسات والمسلكيات البالية وأن نزيلها عن وعينا الجماعي وأن نتجنب جميع النظريات التي لا تمت بصلة لواقعنا الثقافي والاجتماعي.

ونورد للذين يمثلون الأقلية المثل القائل: "الما افكرش لعظام ما ايرادس".

ونذكر أنفسنا نحن الاخرين بمثل آخر يعيننا على اكتساب روح رياضية نصه : "ارفود خطية فم حاسي".

بقلم الكاتب أحمد محمود ولد اسلم ولد محمد حبيب