كلمة الإصلاح كانت قد كتبت في مقالها الماضي مجرد أمنية تدعو لاتحاد سيادي بين موريتانيا والمغرب واقتضى التعليق عليها من بعض القراء أن أكتب هذه الكلمة لتحليل ذلك المقال حتى لا يفهم في سياق لم يكن هدفه .
وهذه الأمنية مبنية على معطيات سجلت في المقال ـ ولم أجد أي تعليق ولا تدوين ولا ملاحظة تـتعلق
بضعف صلب تـلك المعطيات إلا بالقول المتـشبث بحب السيادة دون تـفسيرها .
وبما أن المقال فسر السيادة حسب وجهة نظره ، وهي أنني كمسلم يكفيني في قضية الحاكم أن يكون مسلما فقط لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم( وإن تـأمر عليكم عبد حبشي )) الخ الحديث .
وقد بينت في المقال أن تاريخ شعوب هذه المنطقة التي حددت جغرافيتها لم تكن هناك أي غضاضة في حكم بعضها لبعض إن وقع لتجانسها في كل شيء ، إلا أنه لضعف وسائل ضبط الحكم آنذاك في الأماكن النائية ، فإن جنوب تـلك المنطقة وشمالها تبادلا المقر الرئاسي لذلك الحكم حتى انـتهى الحكم في الجنوب وضعف الحكم في الشمال .
وأنا أظن أن أي مسلم يريد أن يكتب بقلمه عليه أن يجعل عينه على مصيره الأخروي القريب فالله يقول : (( ستـكتب شهادتهم ويسألون .. )) .
ولذا فإني تمنيت هذا الاتحاد بين هذه الشعوب المسلمة والمتحدة في كل شيء لأن المولى عز وجل يخاطب المسلمين فيقول: (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تـفرقوا )) .
وبالرجوع إلى تاريخ معطيات هذه المنطقة شبه المنظور فإنه بعد تاريخ المرابطين المعروف في هذه المنطقة والممتد إلى الشمال حتى وصلت تدخلاتهم إلى اقـليم الأندلس كما هو معلوم لكل مؤرخ ، فإن هذه المنطقة الجنوبية بعد تلاشي آثار أولئك المرابطين لم تـتـشكل فيها سلطة يمكنها أن تحتفظ بسيادة مطـلقة خاصة بها .
ولكن في الشمال بقيت هناك سلطة تعاقبت عليها مسميات من الموحدين والمربنببن حتى استـقرت سلطة الدولة العلوية حتى الآن ، ولكن سلطة هذه الدولة لم تتجاوز باب الصحراء ومن ذلك الباب الذي يمكن تسمية بدايته بواد نون وحتى واد كركور في الجنوب الموريتاني الحالي لم تكن فيه إلا سلطة السيـبة التي سميت بها هذه المنطقة مع أسمائها الأخرى .
وجميع الحروب التي وقعت في المنطقة بين القبائل أو الفئات كانت حروب " سـيـبة " ولكن سلاح بعضها وحشده الشعبي كان يأتي من سلطة تلك الدولة العلوية في الشمال التي ليس لها نفوذ في الجنوب إلا إذا وصل أفراد منها إليهم لطلب السلاح أو غيره مما يتعلق بمبايعة الأفراد لأقرب سلطان مسلم .
ولذا فإني أنا أعـتـبر كل ما بين واد نون وواد كركور بمعنى كل من يتـكلم الحسانية ويلبس الدراعة ويستمع بحماس إلى النغمات العذبة الخاصة بالمنطقة أثناء ترديد كؤوس الشاي كل هذه المجموعات هي شعب واحد سواء استعمرتها فرنسا أو اسبانيا .
وذلك يعنى أن منطقة الحوضين ولبراكنة واترارز ليست أولى بالمرتنة أو الشنقيطية من منطقة واد نون والساقية الحمراء ووادودي الذهب والتيرسين إلى منطقة أزواد .
هذه الوحدة المتجانسة في كل شيء هي التي تمنى لها المقال أن تكون في اتحاد واحد لأنها تعرف كيف تتعايش وكيف تـنمي بـلدها بهذا التفاهم والتجانس .
أما مجرد الاتحاد فلا يسلب أي سيادة فاتحاد الإمارات العربية السبع لم يخلع أي سيادة عن أي إمارة ولم يعط سيادة مطلقة لأي إمارة ولكن المصلحة العامة لجميع الإمارات تـقـتضي ذلك لاتحاد .
فكذلك إذا وقع اتحاد بين الشناقطة من واد نون شمالا إلى واد كركور جنوبا إلى أزواد شرقا مع منطقة أخرى من طنجة إلى جميع الحدود بين الجزائر والمغرب الشمالية والشرقية وأصبح لكل منطقة سيادتها بحكومتها وسلطتها التشريعية والتـنفيذية ووقع انتخاب في كل منطقة على حدة لرئاسة حكومتها وتقدم أي شخص مولود من واد نون إلى كركور لرئاسة المنطقة الشنقيطية ليقوم بإدارتها كلها تحت اسم أي رمز أعلى ملكا أو أمير أو رئيسا "لا يهم " فمادامت هذه المنطقة تحكمها حكومة واحدة من أبنائها فهذه هي السيادة الكاملة .
فنحن نـتـيقن أن لو كان استعمارنا جهته واحدة لما انفصل بعضنا عن بعض ولو كان ما يطلبه الصحراويون من الاستـقلال الآن حصلوا عليه من قـبل لكنا قد اتحدنا نحن وإياهم بدون أي مشكلة ولو عارض ذلك أحد منا أو منهم لحب الرئاسة وانفصلنا سياسيا لتوحد شعـبنا بالبـيئة المعـبرة عن الوحدة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى آخر الاندماج المتكامل .
هذه نبذة تاريخية تحلل الأول من معطيات أمنية الاتحاد .
العطاء الثاني في المقال لأمنية الاتحاد: هو وضعية الصحراء الحالية ، فأقول أولا إن المتعارف عليه في هذا الزمن الذي انـتشرت فيه الثقافات في وسائل الاتصال الاجتماعي الكثيرة هو أن المناقشات تكون بالتحليل والسبــر والتقسـيم وكل هذه المصطلحات البحثية ترجع إلى التوسع في البحث والتأمل والتبصر عند تلقي كل ما يحتاج إلى ذلك .
فالمقال يفهم من خلاله أن كاتبه صحراوي بمعنى أنه مولود في هذه الصحراء الواسعة الممتدة من واد نون إلى واد كركور ويتـكلم الحسانية ويلبس الدراعة ويكثر من شرب الأتاي إلى آخره .
ولاشك أن من يحمل هذه الأوصاف لا يتحمل أن يرى صحراويا مثـله تهينه أو يعـتدي عليه من ليس من شكله لا في اللغة ولا في العادات ومعنى ذلك أن عـلينا أن نتصور جميعا صعوبة كثرة السنين التي مرت على الصحراويين في شمالنا وهم يعانون من اللجوء وتفرق الأسر إلى آخره ، وبناء على ذلك فإن أي إزالة لهذه المعاناة على أي شكل من الأشكال ولا سيما إذا كانت إزالتها هذه ستجمع في حكومة واحدة كل شخص يتـكلم الحسانية ويـلبس الدراعة والملحفة إلى آخره ـ فإننا هنا سنـتـنـفس الصعداء جميعا ونجعل محيطنا الشنقيطي في مكانه الذي يقود منه ولا يقاد .
أما العطاء الثالث لأمنية المقال : فهي طبيعتـنا نحن الخاصة بنا أي موريتانيا الستينات إلى الآن .
فنحن يعرف الجميع أننا عندما أخذت كوكبتـنا الممتازة الأولى الاستـقلال بدأنا دولة مولودة عريقة في التسيـير الحضاري من أمن وعفاف عن المال العام والحياة الكريمة ضمن القانون المكتوب إلا أنه بعد تـلك الحرب المشؤومة علينا جميعا نحن في الجنوب والشمال فالمسلم إذا ذهب إلى ربه وهو قاتـل أو مقـتول سوف يبحث معه عن نية القـتـل إذا لم تـكن سليمة إسلاميا فالويل لأمه لماذا ولدتـه .
وأنا شخصيا آخذ العذر لصاحبنا الأول ـ رحمه الله ـ لأنه كان يريد ما نريده نحن الآن من أمنية توحيد شعب وحدته الجغرافية والنسب والدين واللغة إلى آخره ، وما لا يأخذ كله لا يترك بعضه ولكن هبت الريح بما لا تشـتهيه سفينـته أو سفيتـنا جميعا حتى أدى ذلك إلى حكامة العسكر لموريتانيا ، وهنا نعطي عذرا أكثر ومبررات سخية للعسكر آنذاك وهي ايقاف القـتال بين الإخوة الأشقاء والأرحام المتواصلة ، ولكن لا مبرر أبدا لبقائه في الحكم بعد ذلك حتى الآن لأن من اختار أن يتخرج من المدارس العسكرية ابتعـد عن وظيفة المتخرجين من المدرسة الإدارية ولاسيما عندما جاءت الديمقراطية ، فالديمقراطية والعسكرية ضدان لا يجتمعان لا إدارة ولا تكوينا ، مع أن ( مدرسة لميا ) لم تفتح فيها فصولا للإدارة والمدرسة الإدارية لم تفتح فيها فصولا عسكرية لاستمرار الجيش في الحكم الذي يريد الاستمرار فيه .
مع أن ضباطنا ولله الحمد هم أحسن ضباط في العالم العربي من حيث التدين والاندماج في الشعب
ف 99% من ضباطنا لم يبع عسكرته بآخرته بينما نفس النسبة عكسية في الدول العربية ولا سيما في مصر والشام وبعض دول المغرب العربي فهؤلاء بمجرد اختيار العسكرية سواء كانوا جيشا أو شرطة لا يلـتفتون إلى قوله تعالى (( والذين يوتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون )) .
ومن هنا نعود إلى تحليل فهم جيشنا للديمقراطية لنقول:
فعندما جاءتـنا الديمقراطية أصبحت موريتانيا تدور حول الديمقراطية التي لا تـتـشاكل مع تكوين العسكر فانـشغل الجميع عن التنمية وغيرها بالانتخابات والموالاة واستأنفت القبائل نشاطها الولائي وظن العسكريون أن معنى الديمقراطية إعطاء الوظائف المدرة للدخل لرؤساء القبائل لينـتـفعوا وليصوتوا لصالحهم كما ظن العسكري أن من ليس معه سياسيا فهو ضده ومعنى ذلك أنه يكرهه شخصيا والوظائف يملكها هو ملكا أصليا لا مكان لها لمن لا ولاء له ( فلا عبرة بالشهادات والتخصص ) .
وهكذا امتدت هذه الصورة السوداء تسلخ أفكار المواطنين حتى الآن فبقيت أرضنا المعطاء زراعيا بوارا لا تـنـتج إلا الإنتاج التـقـليدي الذي لا يتجاوز منفعته صاحبه ومحدود نوع الزراعة وأصبحت معادنـنا بين الشرائك العالمية تازيات وم. س . م ونحن نـتجدى إدارتها توظيف بعض أفرادنا فقط ، وأغلى ما في الحياة التغـذية هو السمك ونحن أعطانا ربنا ما تعيش به الصين وأوربا في محيطنا الأطلسي وكيل لحمه عندنا يتجاوز الألف إلى آخره ، ونحن منـشغلون عن ذلك كله بتعديل الدستور وكثرة الانـتخابات وطلب الولاءات إلى آخره .
ومن هنا جاءت أمنية المقال في الاتحاد مع المغرب لأن يده العاملة نعيش فيها نحن الآن والأوربيون من خضرواتهم المزروعة فوق جبالهم فضلا عن سهولهم ، وفوسفاتهم المعدني فيه فائض لتغطية سماد زراعتهم إلى آخره .
فـلو جاءوا إلى أرضنا لسكنت كل قبيلة فوق أرضها وزرعوا لهم فيها من الخيرات ما يغـنيهم عن التكدس لطلب الوظيفة وقطع الأرض في انواكشوط تلك الوظيفة التي لا يوجد من منـفذ لها إلا الإدارة والتعليم أو الوظائف العسكرية أو شبه العسكرية ، وهذه الوظائف إذا أعلن عن عشر مقاعد شاغرة فقط يترشح لها المئات من العاطلين بينما الوظائف الفنية من صناعة وزراعة وتنمية لا يوجد من يخلقها في وطنـنا الحافل بأصولها المعطاء .
فرجال أعمالنا لا يعرفون استـثمار كل ما استولوا عليه من أموال هذه الدولة وأكثره يكون من المساعدات الدولية أو ميزانية الدولة الحاصلة من الضرائب وغيرها لا يعرفون استـثمارها إلا بالإكثار من الحيوانات التي لا تـنـتج إلا اللحوم الحمراء التي أصبحت عند الموريتانيـين داءا محققا للقـتـل السريع أو الاستـثمار في القصور الجامدة التي لا يستفيد منها إلا صاحبها الذي يستعمل هو وحده ظلها ودفئها .
فـلو وقع هذا الاتحاد لتغـيـر وضعنا المادي الدنيوي في أسرع وقـت .
العطاء الرابع للمقال : يتعلق بآراء مرسلة إلى السيد / الرئيس يتمنى له المقال فيها أن يحول اهتمامه في السنـتـين القادمتين التي تفصله عن انتهاء مأموريته في موريتانيا ليضمن بذلك ابتداء مسؤولية أخرى ريما تكون أطول مدة وأكثر وقـتـا من وضعه الحالي ، وهو سيضمن بذلك ما يتطلبه الآن من المغرب وسيستـغـني عن الاستفتاء الشعبي أو البرلماني لتحقيق مخرجات الحوار.
فإذا لم يقم هذا الاتحاد وانتهت مأموريته فإن الدهر لم يعط للرؤساء المنـتـهية ولايتهم في العالم الثالث في أحسن حالهم إلا أن يرجعوا رجالا عاديـين كما كانوا وأنا أخاف إذا انتهت مأموريته فسيتحول ولاء الحرس الرئاسي إلى غيره وربما إلى شخص كان غير موال له أو موال له ولكن لشيء وزال .
وبما أنـني أتـشبـث ولله الحمد ما استطعت بتعاليم الإسلام والتي تـقول أنه لا يتم إيمان المرأ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فأنا لا أحب أن أرى من كان رئيسا في وضع يتمناه أعداءه لأن تـلك الأماني ليست إسلامية .
فالرؤساء السابقون الآن معروف مصيرهم إلا أنـني أنا أسجل هنا تهنـئتي الحارة للرئيس محمد خونه بن هيدالة أطال الله عمره في طاعته حيث سجل لنفسه في سجله الأخروي أنه وقع بيمينه على القانون الجنائي الإسلامي الذي ما زال وحتى الآن هو المعمول به سواء طبق أو لم يطبق فتـلك مسؤولية القاضي في الحكم به والرئيس في تـنفيذ ذلك الحكم وها هو الآن ينـتـظر الخير في قوله تعالى (( وما تفعلوا من خير يوف إليكم وأنـتم لا تظلمون ))
الأستاذ محمدو ولد البار