سال الكثير من الحبر هذه الأيام بعد رفض مجلس الشيوخ مشروع القانون الدستوري رقم17- 118 المثير للجدل، ونتيجة لذلك برز العديد من الآراء التي تبحث عن مخرج دستوري من هذه الأزمة، ما جعل البعض يلوك النص الدستوري ويتجاهل روحه ويلوي عنقه صوب ما يخدم أطروحاته وتنظيراته ؛ لذلك رغبت أن أدلي بعجالة في هذا الموضوع، وبالخصوص محاولة إزالة بعض اللبس عن مضامين وموضوعات المادة 38 ( المثيرة للجدل) وكذا المواد 99 - 100- 101 من دستور 20 يوليو 1991 المنظمة لمساطر المراجعة الدستورية.
تنص المادة 38 من دستور 20 يوليو على ما يلي: " لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق اﻻستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية "
وردت هذه المادة ضمن المواد المدرجة في الباب الثاني المتعلق بالسلطة التنفيذية، وذلك فيسياق الحديث عن اختصاصات وصلاحيات رئيس الجمهورية ؛ حيث إن المادة التي قبلها (37) تتناول حق رئيس الجمهورية في ممارسة العفو العام وتخفيض العقوبات، وتناولت المادة 39 حقه في ممارسة السلطات الاستثنائية ومسطرة إعلانها في حال ما إذا كان هناك خطر وشيك الوقوع يهدد البلاد .
فالمادة 38 تناولت مقتضياتها بعض صلاحيات رئيس الجمهورية السياسية، وﻻ علاقة لها بمساطر المراجعة الدستورية. فالمشرع الدستوري أفرد بابا خاصا بمسطرة تعديل الدستور هو الباب الحادي عشر ، تناول فيه الطرق الواجب اتباعها في حال وجود مبادرة - من ذوي الصفة- لمراجعة الدستور ، ونصت المادة الأولى من هذا الباب على أن مبادرة مراجعة الدستور يملكها كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان ( المادة 99 ف 1). ونص المقطع الثاني من الفقرة الثانية من هذه المادة على مايلي : "ﻻيصادق على مشروع مراجعة إﻻ إذا صوت عليه ثلثا (2/3) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (2/3) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء"
من خلال هذا النص يتضح ان أي مبادرة لتعديل الدستور يجب أن تحصل أوّلا على النِّسبتين التاليتين:
- موافقة ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية ؛
- موافقة ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ.
وبعد استيفاء مشروع مراجعة لهذه المسطرة يصبح بالإمكان عرضه على الاستفتاء الشعبي للتصويت عليه، ما لم يقرر رئيس الجمهورية عرض مشروع المراجعة على البرلمان مجتمعا في مؤتمر بمكتب الجمعية الوطنية.
هذه المسطرة المعقدة هي مكمن الفرق بين مشاريع القوانين الدستورية والقوانين العادية والتنظيمية، حيث إن المشرع الدستوري دأب على تعقيد مسطرة مراجعة الدستور لتتسم مواده وموضوعاته بنوع من الثبات والجمود، على عكس ما فعل مع مسطرة تعديل القوانين الأخرى.
ولم يستكمل مشروع القانون الدستوري رقم 17- 118 هذه المسطرة، فهو وإن كان حصل على مصادقة أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية ( 121 من 147 نائب) إلا أنه لم يحصل على مصادقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ ، حيث صوت عليه بـ"نعم" 20 شيخا فقط مقابل 33 شيخا صوتوا ب " لا" ( مجموع أعضاء المجلس 56)، ما يعني أن مشروع هذه المراجعة سقط في وسط الطريق، ولم يصل إلى مرحلة الإحالة على الاستفتاء أو المؤتمر البرلماني .
وتنص المادة المادة 101 على ما يلي : " لايقدم مشروع المراجعة للاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمر، وفي هذه الحالة لا يصادق على مشروع المراجعة ما لم يحصل على أغلبية ثلاثة أخماس (3/5) الأصوات المعبر عنها. ويكون مكتب المؤتمر هو مكتب الجمعية الوطنية."
هذه النص الدستوري يعطي لرئيس الجمهورية الخيار على السواء في عرض مبادرة التعديل - بعد المصادقة عليها من قبل ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية وكذلك ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ- على الاستفتاء الشعبي، وفي هذه الحالة تعتبر نهائية إذا حصلت على الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الا ستفتاء ( المادة 100) أو الاكتفاء بعرض مشروع المراجعة على البرلمان مجتمعا في مؤتمر، وفي حالة لجوء رئيس الجمهورية لهذا الاختيار الأخير فلا تعتبر هذه المراجعة نهائية ما لم تحصل على أغلبية ثلاثة أخماس من أصوات أعضاء هاتين الغرفتين .
وخلاصة لما تقدم فإن محاولة بعض القانونيين والسياسيين فهم المادة 38 على أنها تدخل في إطار المساطر الممكن اتباعها من طرف رئيس الجمهورية خلال مراجعة الدستور، وعلى ضوء مقتضياتها له أن يمرر التعديلات الدستورية بواسطة اللجوء إلى الاستفتاء مباشرة دون مراعاة استيفاء المسطرة المنصوص عليها بصريح المادة 99 لهو تكلف فج ولَيّ لعنق صريح وروح النص الدستوري الواضح الذي لا يقبل التأويل.
وعليه فإنه من الأسلم، بل من الواجب مراعاة المساطر الدستورية المنظمة لطرق مراجعة الدستور التي خصص لها المشرع الدستوري المواد 99 – 100- 101.
محمد عبد الجليل ولد يحيى
باحث بسلك الدكتوراه ( العلوم القانونية والسياسية)