أغشوركيت ( مقالات كتاب أبناء الولاية ) : من المسلكيات التي كانت محمودة في غابر الأزمان نكران الذات و نبذ المباهاة للحد الذي جعل شريحة من الزوايا تكتم إبداعاتها و تغض من علمائها و شعرائها و كرمائها وابطالها معتبرة أن ما يبثونه من علم وما يقدمون من معروف للعاكف و البادي هو واجب يتقرب بأدائه إلى الله تعلى و أن أي تعظيم من شأنه و شأنهم رياء يذهب الأجر و يحبط الأعمال ، وأن الشعر ما لم يكن نظما لفائدة أو تلخيصا لكتاب أو مدحا لسيد الوجود أو آل بيته والعلماء والصالحين ، لا يستأهل أن يروى إلا في أضيق نطاق من باب تنمية روح الفتوة و تحفيز القرائح الندية ، وهذا في جانبه التعبدي المحض صحيح لكنه في باب حفظ المعارف و تنمية المواهب و إيتاء ذوي الحق في الخلود حقهم فيه ،و إحياء ذكرهم لاستمطار الرحموت عليهم من ألسنة وأقلام الأجيال اللاحقة بانتفاعها من إنتاج بنات أفكارهم، و هذه الظاهرة تكاد تكون خاصية أهل آفطوط ،بل قُلْ البراكنة كلها و محيطها جنوبا و شرقاً، فمن من مثقفي البطن الثقافي النواكشوطي الرخو و “مختصي”توزيع الألقاب “العلامية” و “الابداعية السامقة” !
و” ال..لافض فوك الفيسبوكية” و مقلدي عبارات استحسان “شاطئ الراحة” و الشعر”المحمول” …يعرف سبب تسمية محظرتي :الكحلاء و الصفراء ؟ أو يعرفهما أصلا ؟ أو محاظر (الدوارة) و (آكرج )و (ميت )و (آقيرت )و (تنقراش) و (واد آمور) و (شكار) و (القليبات )و (التجال) و(المويلح) و(البطحاء) و(بوسويلف) و (جونابه) و (تورقيلين) و(ونجه) و (علب الدفعه) و (النيجران) و (ملازم الحميس) و مواقع العلم والشعر و الجمال في أقان أرض خولان العاليه من قحطان و ذراري حسان و من عمرها قبلهم من “غرمان “و “نانمه” و “ماسنه”؟ ومن منهم يعرف المبالغتين السائرتين: “من أراد أن يحفظ القرآن فليرع بقر أوقاف أهل الطالب ابراهيم” ومن هي القبيلة التي يقال عن محاظرها :” لاجيتهم تقرا ما تقلك ظبيه و لا بقرة”.. وهي التي عنها يقال: إن “مراهقهم ما يكلح و كلبهم ما ينبح”…حتى أن مشاركتهم في أيام الجهاد تذكر عرضا و بأسماء مشوهة و وقائع مشوشة ،أما شعراؤهم فنكرة ضاع إنتاجهم أو نسب لغيرهم .. ولكن العتب بل اللوم يقع على مراكز البحث العمومية التي عاشت بواكير عمرها رهينة الموقع ،و أبناء و أحفاد أعلام هذه المنطقة الذين ألهاهم البعد من مراكز القرار واجترار سنة الإبتعاد منها عن حمل الرسالة و تأدية الأمانة العائدة للوطن لا للجهة ..
ولأن “الثقافة المركزية” لا تعرف إلا فتاتا من ملحون شعر الموظفين المحولين على غير رغبة إلى “قويبينه” فلا ضير أن نروي حكاية من الأدب العالم الذي عرفته براري البراكنة وأروقة “خوبتها ” حيث عاش نموذج لا يقل طرافة ودهاء عن (ولد ابن المقداد في (اندر) هو السيد (با) الملقب ولد جاجه(بجيم سودانية)ولكنه يفوقه لأنه كان مجيدا للفصحي و العامية ، وكان صديقا و نديما لفضلاء “الدائرة” …من ذلك أنه
زاره في مكتبَه العالم الشاعر محمد أحمد بن محمد عبدالدائم وكان له صديقاً فسأله عن مخطوط فأجابه الشاعر بأنه لديه فاتفقا علي أن يعيره إياه..وبعد مدة زادت عن الحد كان محمد أحمد يهم بمغادرة أخواله (أهل مكي) باتجاه أهله في أقان فأرسل للترجمان:
إنه قد بدا لي ******* في مُعاري أن تردَّه
ليس في رد معار****** لمعير جورُ ردَّة
إنما الدنيا عوار ***** والعواري مسترده
و وصل الرد بعد أيام،علي شكل دعوة فاخرة في “الخوبة” بعدها وقفا علي الشرفة وهبت شرقية لطيفة فقال ولد جاجه لقد أعددنا لك هدية سنية ومعارا في حال سليم إن أجزتَ!! فقال الشاعر: هات … فقال:
-إذا هب ريح الشرق هاجتْ بلابلي…….
فقال الشاعر:
كأني مسحور بسحر ببابــــــــل…………
إلي أن بلغت القصيدة عشرين بيتاً، فأخذ الشاعر مخطوطه وهديته السنية، وعاد إلي مراتع صباه في أقان ليقول:
ألا قف ب(وَيْنَ) وحيّ دمــــنْ::: بها لسُليْمي عفتْ مذ زمنْ :::
بمرِّ الغداة و كرّ العشــــــــيْ::: وهوج الريــاح و صوب المُـُزن :::
وحيِّ(تميظَ) خليــــــلي إذا ::: وقفتَ عليها (تميظَ) وطـن :::
فما حبُّ (وينَ) لأجل الديــــار ::: ولكن لمن في الديار سكن :::
رحم الله الجميع…
_____________________________________________________________________________
يشار إلى أن “الخوبة” تحريف ثالث لكلمة :القبة” أخذته الإسبانية والبرتقالية والفرنسية (alcove) وجاء به التراجمة الولوف للحسانية بنطقهم “الخوبة” مع “امبورو ” عجينة دقيق “البر” و “الكاتي” من “alcadi” القاضي إلخ…
الدكتور : ناجي محمد الإمام