أغشوركيت ( مقالات ) : انطلق المفكر المغربي محمد عابد الجابري حين تحدث عن" الأخلاق" من مسلّمة أوّلية مفادها أن الأخلاق مفهوم مجرّد عائم يصعب تعريفه و حشره لغويّا في زاوية محدّدة، فهو يتسرب من التعاريف كالماء بين الأصابع..ذلك أن ما نسمّيه أخلاقا حميدة في مجتماعتنا العربية مثلا ذات المنبع الثقافي و الديني الواحد قد يكون عكس ذلك في مجتمعات أخرى ذات مشارب ثقافية متباينة مع المجتمعات العربية، و ربما تتمايز المجتمعات العربية نفسها في ذلك في كل قُطر، على هذا يكون لكلّ جيّز جغرافي و اجتماعي أخلاقه التي يحدّد من خلالها قيمة الأفراد" أخلاقيا"وفق منظومته الأخلاقيه الخاصة..
تأسيسا على هذا التقديم قلت لعلّ العدالة الاجتماعية و قيّمها السامية و السماوية في جمهوريتنا هي أيضا مفهوم مجرّد عائم تختلف من مكان إلى مكان،و لا تعني القسط و العدل الذي نسمع عنه بين الأفراد و المجتمعات بل لعلّها تتحدّد انطلاقا من منظومة اجتماعية خاصة و هي التي قد ترى في بعض نصوصها المحكمة التهميش عدلا، و الحق باطلا،و الباطل حقا، و مردّ ذلك يكمن في أن القوّة الخشنة هي وحدها التي تحدّد قدر النصيب المستَحَق و ضرورة المشاركة في الشأن العام من عدمها رغم ما في ذلك من تعبيد للطرقات نحو العنف و استدرار لأسوء الغرائز..
فلا سبيل للحصول على الحقوق المشروعة في هذا الحيّز النائي إلا بالغلبة أو استعمال القوّة الناعمة أو الخشنة بمفهومها الواسع و المتعدّد و من لا يملكها فحقّه الصمت و القبول بالغبن إلى حين...
بل يعدّ تهميش الجمهورية للكثير من المجتمعات القبلية و الشخصيات السامية على مرّ تاريخها المثقل بالمظالم و الفواجع هو جزء من التهميش العادل الذي يسمى عدلا لا جورا وفق المنظومة المحكمة الخاصة ذات النصوص القطعية الورود و الدلالة...
فالحصول على الحقوق عن طريق الاستحقاق هو ممّا قلّ و ندر، أما عن طريق الصراع أو الغلبة المادية أو المعنوية أو اللجوء إلى قوة نافذة أو قانونية هو ممّا كثُر و اطّرد...
إن عدم الحصول على الحقوق المشروعة و التوزيع العادل للثروة بين المجتمعات و الأفراد بقسط و عدل هو أوّلا تنكّر لقيّم سماوية و إنسانية نبيلة، ما بعث الله رسولا إلا لترسيخها و تجذيرها" و لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط" كما أنه تشجيع على العنف و نذير شؤم لمستقل غامض الملامح،فالوعي بضرورة "العدالة الاجتماعية" يتزايد و يتفاقم و يأخذ أشكالا متعدّدة في حين لم يبرح وعي السلطات بذلك مكانه بل تتصامم و تتمادى في ذلك حتى يتزايد الامتعاض و يستشري الشعور بالظلم بين الجميع ....
إن من يريد بناء دولة ذات مستقبل و نفوذ على أسس الظلم و الحيف كمن يريد بناء ضخما على غير أساس ركين يركن إليه ....
أرجو أن تتعظ السلطات العميقة بغيرها و تتوجّه لترسيخ قيم العدالة الاجتماعية بين الجميع و تنصف المظلومين و تناصب الظالمين حتى يتمكن هذا الكيان من البقاء ردحا من الزمن على هذه الأرض المغضوب عليها منذ فترة.
منطقة المرفقات
محمد محفوظ متالي