الدكتور ولد البار : " الكحلاء والصفراء " ظاهرة ثقافية امتدت على مدى ثلاثة قرون (مقابلة) | أغشوركيت

الدكتور ولد البار : " الكحلاء والصفراء " ظاهرة ثقافية امتدت على مدى ثلاثة قرون (مقابلة)

أحد, 12/07/2020 - 19:47

أغشوركيت ( الرواق الثقافي ) : في إطار اهتمامنا بالموروث الثقافي والأدبي نبحث في طيات الدفاتر الزمنية ونستنطق الذاكرة الجمعوية علنا نجد نصا أدبيا أو معالم علمية وآثار ثقافية طمرها النسيان في جوف صندوق ، أو لعبت بها أيادي الإهمال وذرتها أدراج الرياح ، لنخرجها إلى عالم النشر ودنيا التداول ، وهي سنة حميدة دأب عليها "موقع أغشوركيت" الذي يجدد إحياءها ويلبي رغبة قرائه ومتابعيه وجمهوره بهذه المقابلة التي نرجوا أن تسهم في توثيق حقب مشرقة من تاريخ دولتنا الحديثة  .

 

 

كلمة رئيس التحرير : محمد المصطفى الولي 

 

 

 

حوار الرواق الثقافي لموقع أغشوركيت الإخباري ، هو نافذة رحبة لكل المثقفين والكتاب والأدباء والأكاديميين يطلون من خلالها على عالم الثقافة ودنيا العلوم الإنسانية في مختلف مجالات المعرفة .

كما تشرئب النافذة عبر تطلعاتها الحوارية إلى تمكين الباحثين من تقديم أفكارهم ورؤاهم وأبحاثهم العلمية  التي تعطي لمحتوى الإعلام الرقمي ثراء وتنوعا يعزز من مكاسب الموضوعية ويدفعه نحو الريادة والسبق " الصادق " في مختلف الميادين والأنماط الصحفية  .

إن تخصيص هذه السانحة من ضيف الرواق للحديث عن محظرة طفقت شهرتها الآفاق ، وبلغت أوجها الثقافي في العطاء والانتشار ، وأسهمت من خلال أساتذتها وشيوخها الربانيين العارفين ، وخريجيها المستكملين  شرف العلوم الحائزين السبق والتصدر في جميع الفنون ، ليعد عملا بمثابة دعوة جفلى لتلاشي وترميم جسر تاريخ المنطقة البركنية الثقافي ، بل والبلد عموما ، كما تعتبر توصية بضرورة طلاء المكتوب منه _ على ندرته _ بما هو شفهي وما أكثره .

فقد شكلت مسارات وجود جامعة " آفطوط " التقليدية المشاءة....محظرة الكحلاء والصفراء.....في منطقة الوسط " البراكنة " مركز إشعاع حضاري وثقافي حافظ على استمرار الحركة العلمية الشنقيطية وعمل على بعث روح دعوة المرابطين في موريتانيا الحديثة .

كما كانت محظرة الكحلاء والصفراء جامعة وطنية يحج كعبتها الطلاب من كل حدب وصوب ، بل إن دورها التربوي كان المرجع الأساسي لعديد المحاضر الأخرى ، نظرا لتعدد أهدافها وعدم اكتفاء القائمين عليها بمهمة التدريس وحده ، وإنما ضمت إلى جانب ذلك مجالات القضايا الاجتماعية والثقافية والقضائية وحتى السياسية .

فنأمل أن تكون هذه الحوارات ياء نداء لكل من يمكنه أن يساهم في توثيق حقب مشرقة من تاريخ دولتنا المعاصرة ، وبلورة هوية منسجمة تجمع مابين موضوعية التدوين وعقلانية المدَون .

وذلك نظرا لما تكتنزه المنطقة البركنية من تراث علمي وثقافي قمين بالتنقيب عنه ، حتى لايبقى فريسة للنسيان وعرضة للضياع ؛ نتيجة غياب دور الجهات الرسمية في إنشاء دور للنشر ومراكز للأبحاث ورعاية الأقلام المبدعة المتخصصة في هذا المجال .

وفي هذا السياق يندرج حوار النافذة التالي مع الدكتور والأستاذ الجامعي الشيخ ولد البار ، حول المسار الثقافي والدور التربوي الذي لعبته جامعة " آفطوط " المشاءة.....الكحلاء والصفراء ...على مدى قرابة ثلاثة قرون خلت .

 

 

 

الضيف في سطور 

 

هو الدكتور الشيخ ولد البار المولود 1985 في بلدية أغشوركيت بولاية البراكنة .

 التحصيل العلمي : حاصل على شهادة الدكتوراه أدب قديم من كلية الآداب سايس بجامعة سيدي محمد ابن عبد الله بالمغرب 

التجربة الأكاديمية : أستاذ مادة النحو والصرف بكلية اللغة العربية بجامعة العلوم الإسلامية بالعيون من سنة 2014 حتى 2018 ، أستاذ التحرير الأدبي بكلية الآداب والفنون بجامعة حايل بالمملكة العربية السعودية من 2018حتى اليوم

 المنشورات العلمية : الشاهد النحوي بين الوظيفة الاحتجاجية والأثر الجمالي ، أثر ابن جني في الدرس اللساني المعاصر بحث منشور بكلية الآداب جامعة طبرق بدولة ليبيا ، نظرية النظم وأثرها في التفسير بحث منشور بمجلة كلية الآداب جامعة فيرغسون بتركيا.

 

 

 

المقابلة :

 

 

 

 

موقع أغشوركيت : بداية نرحب بحضرتكم الدكتور الشيخ ولد البار في نافذة ضيف"  الرواق الثقافي " لموقع أغشوركيت الإخباري ، فأهلا وسهلا ومرحبا بكم .

كما نشكركم على تلبية دعوة الموقع .

 

 

الدكتور الشيخ البار : الشكر لكم جزاكم الله خير الجزاء 

 

 

موقع أغشوركيت : الحديث عن المحضرة حديث مكرر ، لكن الخلاف في أيهما أصح : المحضرة أم المحظرة ؟ أسال حبرا كثيرا وحصل فيه نوع من الغبش..... فما هو التعريف الأدق من الناحية المعجمية بالنسبة لكم ؟؟

 

 

الشيخ البار : جميل ، مسألة الاشتقاق من أكثر القضايا إثارة للجدل ، بين من يرى أن الأصل في الألفاظ أن تكون مشتقة وبين من يرى خلاف ذلك ، والذي أميل إليه - استنادا لما وجدته - أن الاشتقاقين صحيحان ، فمن سماها المحضرة يقصد بذلك أنها مأخوذة من الحضور ، وهناك مناسبة بينة في هذا الاشتقاق ، أما من جعلها محظرة فقد ذهب بها لمعنى آخر وهو الحظيرة التي كانت سمة من سماتها، ذلك أن جذور المحظرة التاريخية تعود لرباط عبد الله ابن ياسين الذي أخذ شكل الحظيرة ، ومن الدارسين اليوم من يختار الخيار الأول ومنهم من يميل للثاني.

نعم في الاشتقاق لابد من وجود مناسبة بين الأصل المشتق منه وبين الفرع المشتق، وفي نظري الكليل أن القول باشتقاق المحظرة من الحظيرة لا من الحضور يستند لدليلين لعلهما راجحان هما :

 1 _ أن الأصل في الاشتقاق أن يكون من الحسي لا من المعنوي والحظيرة أمر حسي، ماثل.

2_  أن اشقاق المحظرة من الحظيرة له ما يعززه من المنطلق التاريخي ، إذ أن رباط ابن ياسين الجزولي الذي هو البداية الفعلية للمحظرة قد كان على شكل حظيرة ، وهذا ما يعزز هذا الرأي .

 

 

 

موقع أغشوركيت : في هذا الإطار حبذا لو أعطيتمونا لمحة موجزة عن محددات البيئة الثقافية التي نشأت فيها محظرة " الصفراء والكحلاء " ...موضوع الحوار الرئيسي ...؟

 

 

 

الشيخ البار : لست ممن يقول بنظرية الانعكاس الطبيعي التي ترى أن الثقافة انعكاس حتمي للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمنتجيها ، وذلك أن ما يعرف عند المؤرخين بصحراء الملثمين أو بلاد التكرور أو بلاد المنكب البرزخي المعروفة بلاد شنقيط قد عرفت خلال عصور ازدهارها الثقافي اختلالا لمنطق الترابط القسري بين ازدهار الثقافة وبين الظروف السياسية المواتية ، فقد اتسمت هذه البلاد بثلاث سمات ، لعل في اجتماعها مفارقة، وهي : 

 1 _  الفوضى السياسية بما تعنيه من غياب للنظام الضامن للاستقرار

 2_  الصراعات الاجتماعية بما تفرضه من حضور لمفردات التعصب والحروب الطاحنة

 3_  الازدهار الثقافي الذي سارت به الركبان والذي كان من تجلياته ما نحن بصدده من حديث عن محظرتين طبقت شهرتهما الآفاق .

 

 

 

موقع أغشوركيت : يتأسس موضوعنا على تركيب إضافي نحوي هو " محظرة الصفراء والكحلاء " .....فما هو الاستنطاق الصحيح لهذا العنوان ومدلولاته ....؟؟ وأي المحضرتين كانت حفيدة الأخرى ؟؟

 

 

 

الشيخ البار : العلاقة بين المتضايفين هي إحدى العلاقات التركيبية التي تعبر عن عبقرية اللغة العربية ، وتقوم هذه العلاقة - كما هو مقرر نحويا - على شبهة الملك أو الاختصاص ، وإذا أردنا تنزيل هذه المقولة النحوية على موضوعنا الذي هو محظرة الكحلة فإن المنطق التاريخي يمنحنا رحابة تفسيرية تمكننا من القول إن محظرة الكحلة استقت تسميتها من لون الوبر الذي قد حيكت منه ، فقد كان ضاربا إلى السواد فمنه اكتسبت تسميتها على يد مؤسسها الفعلي حبيب الله ابن القاظي ، ولعل معضلة الضاد والظا قد تستجد لدينا هنا بحكم أن الفصيح في نطق القاظي هو القاضي لأنها تحريف لها، وهو صاحب الطرة المعروفة على مختصر خليل ، وحبيب الله هذا أخذ عن العلامة محمذن ابن أبهم الاجيجبي الذي كان أول من أدخل متن المختصر للمنطقة فهو تلميذ الفالي الحسني الذي أخذ عن علي الأجهوري تلميذ جلال الدين السيوطي ، وطرة ابن القاظي هذه مذكورة في عداد كتب المذهب المالكي ، فقد ذكرها التابعة الغلاوي في نظمه لأمهات المذهب ، رغم أنها ضاعت ووقع فيها التحريف ، وبعد العلامة حبيب الله خلفه ابنه العلامة محمد محمود ومالت في أيامه الخيمة إلى اللون الأصفر فاكتسبت منه المحظرة اسمها الجديد الصفرة، ومحمد محمود هذا كان ذا باع طويلة في فروع المذهب المالكي ، جعلته ضمن قائمة يقال بأنها لو اجتمعت في شخص فإن له حق التبصر والاجتهاد ، إذ يقال بأن من امتلك فقه محمد محمود المذكور ونحو ومنطق العلامة ابن بونا الجكني وأصول محنض بابة ابن اعبيد الديماني فإنه يكون قد امتلك ناصية الاجتهاد .

ولا يفوتني هنا أن أسجل للتاريخ بأن محظرة الصفرة خاصة قد نشأت أيضا على أنقاض محظرة كان لها وزن خاص هي محظرة الشيخ أحمد بابو الحاج محم الذي هو أحد أشياخ العلامة محمد محمود ديد .

 

 

 

موقع أغشوركيت : على يد من تأسست محظرة " الصفراء والكحلاء " ....؟؟ وما هو الإطار المكاني والمناخ الاجتماعي الذي نشأت فيه  ؟؟

 

 

 

الشيخ البار  : في ضوء ما سبق نستنتج أن محظرة الكحلة قد تأسست على يد العلامة حبيب الله ابن القاظي الاجيجبي وأن محظرة الصفرة التي هي امتداد ثقافي وجيني لسابقتها قد تأسست على يد العلامة محمد محمود ابن القاظي ، ولعل ماهو متاح من مصادر يغرينا بالقول إن هذه المحظرة قد بلغت أوجها خلال عصر محمد محمود فقد عاشت معه عصرها الذهبي ، وبعده تولى التدريس ابنه أحمد ولكنها بعده قد ألقت السلم ، ولم يكتب لها الاستمرار ، وبما أن الطبيعة لا تحتمل الفراغ فإن عطاء هذه المحظرة قد انتقل من هذه السلالة إلى سلالة أخرى فظهرت وريثة محظرة الصفرة التي هي محظرة الفرع على يد أحد طلاب محظرة الصفرة هو العلامة محمد المصطفى ابن المنجى ولاتزال محظرته تعطي أكلها إلى اليوم على يد ابنه الشيخ الرباني محمد يحي ابن المنجى .

ولا يخفى عليكم أن البحث في الأوليات بحث صعب ، لما فيه من صعوبة وضع اليد على التاريخ الفعلي للتأريخ للظهور الفعلي للظواهر ، ويزداد الأمر صعوبة حين يتعلق الأمر بالظواهر الثقافية ، إلا أن هذا لا يحرمنا من تقديم افتراض تاريخي يرى أهله أن محظرة الكحلة قد تأسست 1168للهجرة ، وهو تحديد تقريبي ، وعلى هذا يمكن القول إن هذه الظاهرة الثقافية قد امتدت ثلاثة قرون ، إذ أنها قد توقفت تقريبا سنة 1336 هجرية ، وقد كانت هذه المحظرة جامعة بكل معاني الكلمة ، تتعايش فيها مختلف الثقافات والألوان ، وقد درس فيها الأجلة من أمثال الشيخ سيديا الكبير والمختار ابن بونه رحمهما الله. 

أما أهم ما ميز المحظرة في موريتانيا فهو أن أهلها كان استقرارهم نسبيا جدا ، فالسمة الغالبة على أهلها هي الترحال والظعن ، وإن كان حظ كل محظرة من هذه السمة يختلف عن غيرها  والذي أميل إليه - وعندي ما يعززه من الأدلة - أن هذه المحظرة كانت في الشمال الغربي من ولاية لبراكنة المتاخمة لحدود اترازة قرب بير يعرف ببوطلحاية .

ونظرا للحيز الجغرافي للمحظرتين والانتماء الاجتماعي لأشياخها يجعلنا أمام حقيقة هي أنهما محظرتان - بحكم موقعهما الجغرافي والانتماء الاجتماعي - محسوبتان على قبيلة اجيجب ، وإذا أردنا الاستزادة في الدقة فهما محظرتان من محاظر فخذ إداشفغ ، وإن أردنا الدقة أكثر فهما تنتميان لمجموعة أهل القاظي من إداشفغ ، وقد كتب لهاتين المحظرتين من الشهرة التاريخية ما لم يكتب لغيرهما من المحاظر ، إذ يكاد يكون الثقل الثقافي لهذه المجموعة القبلية مجسدا في هاتين المحظرتين أساسا.

 

 

 

موقع أغشوركيت : هل مرت المحظرة خلال فترة تأسيسها بحقبتين متتاليين ؟ وكيف يمكننا أن نوفق بين ما قلتم وماذكره العلامة المؤرخ المختار بن حامدن من أن " الكحلة " امتداد للعطاء العلمي للأزهر الشريف بواسطة أحد خريجيه على يد علي الأجهوري وهو الفقيه الفالي بن  الفالي الحسني شيخ المؤسس الأول للمحظرة تلميذه أحمد بابا بن الحاج الإيجيجبي ؟؟؟

 

 

 

الشيخ البار : أحسنتم ، وإذا لم تخني الذاكرة ، فلعلي قد ذكرت سابقا أن أول نسخة متداولة من المختصر استخدمت في محظرة الكحلة التي أسسها العلامة حبيب الله ابن القاظي ولعل في هذا بعض الالتباس يجب رفعه ، فأقول أن المحظرة قد مرت بعدة أطوار يمكنني أن أجملها فيما يلي :

 
1_  مرحلة التأسيس وهذه المرحلة قد غاب عنا بعض من حلقاتها

2_  مرحلة العطاء وكانت على يد حبيب الله صاحب الطرة وابنه محمد محمود الذي انتقلت معه التسمية من الكحلة إلى الصفرة

 3_ مرحلة الضعف وقد بدأت مخاييلها تظهر بعد وفاة محمد محمود مباشرة وحتى نهاية المحظرة سنة 1336 .

 

 

 

موقع أغشوركيت  : هل أثرت تداعيات حرب " شرببة " على عطاء محظرة الكحلاء .....بعد استشهاد مؤسسها الأول في هذه الحرب  ؟؟ 

 

 

 

الشيخ البار  : بخصوص هذه الحرب ، أظن ظنا يخالطه الجزم أن الحديث عن تداعياتها يحتاج مؤرخا حقيقيا متخصصا لا مجرد متلبس بزي التاريخ ، فقد يتزيا بالهوى غير أهله ، كما قال المتنبي ، من تداعيات هذه الحرب كما يقول النابغة الدكتور جمال بن الحسن أن حصل تمايز وظيفي فانشغل أهل الزوايا بالعلم لا يطرقون بابا غيره وتمحض أهل السلاح به ، فلم يعد هناك مجال التداخل الوظيفي ، ومن هذه الزاوية يمكننا القول إن هذا شكل عامل نهضة للمحظرة.

 

 

 

موقع أغشوركيت : يقول أحد الباحثين إن محظرة الكحلاء شهدت بعض الترحال تحت تأثير الاستعمار الفرنسي ....فهل صحيح أنها حطت عصا التسيار أثناء تنقلها في منطقة " ارقيبة " بولاية العصابة حاليا ؟؟

 

 

الشيخ البار : لم أسمع هذا القول ، وعدم الوجدان لا يقتضي عدم الوجود كما هو معروف عند أهل المنطق .

 

 

موقع أغشوركيت : نلاحظ غياب جانب الكتاتيب القرآنية في مسار تشكل النواة الأولى للكحلاء والصفراء ...بالرغم من أن تعليم القرآن الكريم هو المرحلة التمهيدية الأساسية للدخول إلى حرم المحضرة  ....هل لذلك ما يبرره ؟؟

 

 

 الشيخ البار : المحاظر تصنف في تلك الفترة إلى مستويات ، وأهل تلك المنطقة قنطرة وسطى بين أهل الجنوب وأهل الكبلة بتعمقهم في علوم الآلة نحول وصرفا ولغة وبيانا وأهل الشرق بتعمقهم في الفقه وعلوم القرآن الكريم وقد كانت هذه المحظرة من أكثر المحاظر عمقا في فروع الفقه.

 أما الكتاتيب فلم تخل منها حاضرة ، فالأهالي يتعهدون الصبي قبل سن البلوغ لكي يحفظ .

 

 

 

موقع أغشوركيت : ما الذي يميز مقررات ومناهج " الكحلاء " عن بقية المحاضر الأخرى في البلاد ؟؟

 

 

 الشيخ البار : ما يميز محظرة الكحلة ويمثل سمة وميزة لها هو أنها بلغت مرحلة من مراحل الازدهار في مجال تدريس متون الفقه المالكي لم تبلغها في حدود علمي محظرة أخرى .

ومن أهم ميزاتها أيضا أنها استطاعت المزاوجة بين المنحيين النظري الأكاديمي والتطبيقي الاصلاحي ، فلم لم يكن أصحابها منعزلين عن واقع الناس ، فقد شارك مؤسسها في حرب شربب كما أن العلامة محمد محمود حبيب الله قد سعى لتطبيق الحدود وله في ذلك محاولات جادة .

 

 

 

 موقع أغشوركيت : ماذا عن دراسة العلامة عميد المحضرة حبيب الله بن القاضي على الشيخ المختار بن بونا الجكني  صاحب المقولة المشهورة " سرق بن اجميلية " منطقي؟؟

 

 

 

 الشيخ البار : حفظكم الله ربي جل ، المصدر في هذا يعتمد على النقل الشفوي ، وهناك رواية تؤكد ما قلتم وروايات تؤكد العكس أن المختار لم يستوعب باب الأنكحة من المختصر حتى جلس عند العلامة محمد محمود ابن حبيب الله .

وفي الحقيقة العلامة المختار كتب له من الشهرة وذيوع الذكر ما لم يكتب لغيره يكفيك أن كل الأسانيد اللغوية تمر به .

 

 

موقع أغشوركيت  : يقول الباحث محمد المصطفى ولد الندى رحمه الله  ، إن حبيب الله بن القاضي عمل بعد توليه مشيخة المحضرة على تجديد مناهجها وتطوير أساليب التدريس فيها .....كيف تجلى ذلك ؟؟

 

 

 

 الشيخ البار : رحم الله الباحث المؤرخ محمد المصطفى الندى فهو جذيل هذا الفن ، يبدو لي أن محظرة الكحلة شهدت تحولا مع العلامة حبيب الله ابن القاضي ففد تحولت معه من محظرة متوسطة لتصبح محظرة جامعة فانتقلت معه للطور الأكاديمي المتخصص ، ذلك أنها صارت مناط النجم من نظيراتها ، وأضحت قبلة لكل طلاب الفقه المتخصص الدقيق ، فأول من أدخل مختصر خليل للمناهج المحظرة هو حبيب الله .

 

 

 

موقع أغشوركيت : هل توجد آثار علمية لشيخ الكحلاء غير شرح مختصر خليل ( الطرة أو المعين ) وشرح رسالة بن أبي زيد القيرواني ؟؟

 

 

 

الشيخ البار : توجد له طرة على مختصر خليل ، لكنها ضاعت وحرفت وليست من الطرر المعتمدة في المذهب ، وقد ذكرها النابغة الغلاوي في نظمه بو طليحية بقوله : 

وطرة ابن القاضي الأولى لعبت .... أيدي التلاميذ بها فذهبت .

 

 

 

موقع أغشوركيت : لماذا لم تشكل هذه الجامعة " الآفطوطية " المشاءة مركز اهتمام للمنشغلين بحقل التاريخ والثقافة ؟؟

 

 

الشيخ البار : سؤال في غاية الأهمية والعمق ، أظن ظنا يخالطه الجزم أن الظواهر الثقافية تحتاج جانبا تبشيريا ترويجيا يواكبها، وهذه المحظرة لم يحصل لها من ذلك القدر المنشود ، فضاع ذكرها وكادت تتلاشى تحت صقيع الإهمال ، شأنها في ذلك شأن غيرها من الظواهر الثقافية ، فكما يقول الدكتور جمال بن الحسن فالنهضة الأدبية لم تبدأ بالبارودي في مصر وإنما بابن الطلبة في شنقيط لكنها كانت ضحية مؤامرة صمت.

 

 

موقع أغشوركيت : كيف تفسرون عدم تشكيل خريجي الكحلاء _ وهم كثر _ امتدادا علميا وثقافيا يمثل سفارة المحظرة ويعتبر رافدا مهما في دبلوماسية الثقافة  التي يصطحبها الطالب بعد فترة التخرج ؟؟

 

 

الشيخ البار : سؤالكم في محله ، يخيل إلي وأظن - وليس كل الظن إثما - أن سلامة النيات والاصطفاف الجهوي قد حرم هذه المحظرة من زخم علمي ثقافي كانت تستحقه ، ولا يخفى عليكم ما ذكره الباحث الحصيف عبد الله ولد بن احميدة في جدلية نشأة الشعر الموريتاني أن هناك من يريد للثقافة أن تكون محصورة في جهة بعينها.

 

 

 

موقع أغشوركيت : بعد استقرار المحظرة في بلدة " البلد الطيب " وانصراف مهمة التدريس والقيام عليها إلى أسرة أهل المنجى.....هل ما زال بالامكان ربط ماضي المحضرة بحاضرها ؟

 

 

 

الشيخ البار : جدا طبيعة ميكانيزما العلم أنه لا ينتقل جينيا ، لذلك فإن العلم ليس من الصفات التي ينقلها الجيل للجيل بواسطة الجينات ، بل هو اكتساب وجد ، فعلم الامام مالك نقله تلامذته لا أبناؤه ، وفي هذه التجربة أيضا وجدنا تراث المحظرتين انتقل الى أحد طلاب المحظرة الذي بنى على ما أخذه من أبوة علمية لا نسبية، وبهذا يمكننا القول إن إرث المحظرتين لم ينقطع.

 

 موقع أغشوركيت : كلمة أخيرة ؟؟

 

 

الشيخ البار: أشكركم مجددا ، وأسأل الله تعالى أن يوفقكم ويجزيكم خير الجزاء .

 

 

 موقع أغشوركيت : شكرا جزيلا لكم ضيفنا الكريم على ما منحتنا من وقتكم الثمين .

 

 

حوار رئيس التحرير