بعد التعيينات الأخيرة، وما شهدته من تبادل للمهام بين بعض الوزارات، وإقالة وزراء آخرين، كان من أبرزهم وزير الثقافة والشباب والرياضة، محمد ولد اسويدات ، وردود الفعل المتباينة حيال الواقعة، والتي انقسمت إلى عدة آراء ، أردت التعليق على الفرضيتين الرئيسيتين، دون الإسهاب في المقدمات:
ــ فأما القائلون بعلاقة المغاضبة في بلدية ألاك المركزية بالإقالة، فهؤلاء يقيمون الحجة على أنفسهم، إذ الأولى بالعقاب ـ إن كان ولا بد ــ معاقبة من غاضبوا حزب الإنصاف في بلديتي أغشوركيت وبوحديدة، ثم جروا أذيال الهزيمة، فلا كانوا داعمين أوفياء، ولا مغاضبين أقوياء، فعادوا بخفي حنين.
لقد مثل ترشح العمدة يوسف ولد الشيخ القاضي بصيص أمل لشعب سئم واقعه المزري، فلما لاحت فرصة التغيير أريد منه الإذعان للمذلة، ومصادرة آراءه وخياراته ، ليدور من جديد في دوامة مظلمة نصف عقد آخر ...
كما مثل الترشح فرصة عظيمة لتدارك الكارثة، وإنقاذ أحزاب الأغلبية الداعمة لرئيس الجمهورية من هزيمة نكراء، كانت ستحل بحزب الإنصاف أو قريبا من داره ، على يد مرشح المعارضة، حينها لا هو للإنصاف ولا هو للأغلبية.
أمام هذا السيناريو ، كان الجميع سيحمل الوزير ولد اسويدات تبعات انتزاع المعارضة لبلدية ألاك، التي كانت منها قاب قوسين أو أدنى ، لو لم يبادر ولد اسويدات لرص الصفوف ، ومواجهة الخطر المحدق بالأغلبية، وجماهير بلدية ألاك، التي وجدت ذاتها في إعلان ولد الشيخ القاضي، وبرنامجه الداعم لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.
إذا فإن كل ما قام به ولد اسويدات هو الإبقاء على جماهير ألاك، داعمة لبرنامج رئيس الجمهورية لا أكثر.
ثم إن من يتوقع من الوزير ولد اسويدات ــ وهو يرى تذمر جماهيره ، وغضبهم العارم جراء فرض مرشح غير الذي اختاروه لأنفسهم ــ أن يصم أذنه ويغض طرفه، لا يملك مثقال ذرة من كرامة، وما في نفسك يدلك على الناس.
إن أغلى ما يملكه الإنسان كرامته ، فإذا ما تنازل عنها لم يعوضها مال ولا جاه ولا منصب.
نجح حلف ولد اسويدات في حجز مقعد نائب لألاك ، وانتزاع بلديتي أغشوركيت وبوحديدة من حلف رئيس البرلمان ، الذي غاضب فيهما حزب الإنصاف ، وفوق ذلك كله صون الكرامة بانتزاع بلدية ألاك المركزية بفارق 1500 بطاقة.
وأما الواثقون قي القدرات السحرية لرئيس البرلمان لتحييد خصومه وإقالتهم ، فهم يظنون رئيس الجمهورية مجرد دمية يتلاعب بها، وفي تعيين ولد اجاي رسالة لهم ولأضرابهم بأن رئيس الجمهورية لا تخفى عليه تلك المغالطات والحملات التشويهية ، لتصفية الحسابات، وأنه يغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة.
ــ يرى المنصفون أن رئيس الجمهورية قرر ادخار ولد اسويدات لخدمة وطنه وبرنامج الرئيس من مراكز وقطاعات أو مؤسسات أخرى، هي أحوج ما تكون إلى حكمته ورزانته وعزيمته ، بعد سلسلة نجاحات حققها الرجل في كل القطاعات التي أسندت إليه، والنقلة النوعية التي أوصل لها وزارة الثقافة، بعد حقبة طويلة من الركود والجمود.
لقد استطاع الرجل خلال فترة وجيزة ، النهوض بكل المهام المسندة إليه ، سواء المتعلق منها بالجانب الثقافي، ودعم الأندية الوطنية ، وتطوير قدرات المنتخب الوطني، لتمكينه من المنافسة الجادة ، والمشاركة في المباريات العالمية.
أما على الصعيد الثقافي، فقد كان أداء الوزير محمد ولد اسويدات مدعاة للفخر والاعتزاز، وما خبر تنظيم مهرجان "جول" عنا ببعيد، وقبله تنظيم النسخة الحادية عشرة من مهرجان مدائن التراث، والتي اعتمد فيها “مقاربة ثقافية – تنموية تجمع بين الاحتفاء بالماضي والعناية بالحاضر والاستشراف الحصيف للمستقبل؛ كي تظل حواضر وحواضن هذا الموروث عامرة؛ وحتى لا تتكرر تجارب “آزوكي” و”تينيكي” و”أودغست” و”كومبي صالح”.
كل هذا غيض من فيض، من سلسلة نجاحات في هذا القطاع ، التي كان في العهود السابقة وكرا للفساد وصفقات التراضي وشراء ذمم الصحافة والكتاب والمدونين.
لقد كنت شاهدا على إنجاز تنموي هام، أصر الوزير على تنفيذه ، حتى في اللخظات الأخيرة التي غادر فيها وزارة التنمية الحيوانية .
يعتبر مشروع "شركة إنتاج الألبان" نقلة نوعية ، وخطوة نحو الاكتفاء الذاتي لساكنة مدينة تمبدغة ، ورغم الفترة الوجيزة جدا ، التي قضاها في الوزارة، إلا أنه أشرف بنفسه على زيارة ميدانية لأغلب مدن الحوض الشرقي، بما في ذلك تمبدغة ، التي أعلن منها انطلاق المشروع.
وحتى لا أسهب كثيرا فأطيل على القارئ، أخذت نماذج قليلة ، لدحض حجج المشككين في علاقة الإقالة بالإخفاق من عدمه، فما حققه الرجل ، وما تحمل في سبيل ذلك من مواصلة الليل بالنهار واكتحال السهر، لا أخال شخصا آخر بإمكانه مجاراته فيه.
د.عبدالرحمن بون